وماروت ، من أنواع العلوم الغريبة ومنها السحر والشعوذة. قيل : كانا رجلين صالحين من كبار رجال العلم في تلك البلاد ، شبّها بالملائكة لمكان ترفّعهما عن رذائل الحياة ولتوفّر مالديهما من العلوم والمعارف. وقرىء بكسر اللام ، تشبيها بذوي السلطة والاقتدار في الهيمنة والوقار.
لكنّها معاذير فارغة ، وأنّ الملكين كانا موضع فتنة واختبار للناس ، فليقتبسوا من علومهم النافع منها دون الضارّ وهكذا كانا يذكّران الناس : أنّ في علومهم ما ينتفعون به وما هو ضارّ لمن لم يكن من أهله فليحذر الّذين في قلوبهم زيغ أن يستخدموا العلم في سبيل الإفساد في الأرض فذلك كفر بالله العظيم ، وكفران لنعمه الجسام.
ولكن هناك من غلبته الرغبة إلى الشرّ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) من دسائس ومكائد خدّاعة.
وهنا يبادر القرآن فيقرّر كلّيّة التصوّر الإسلامى الأساسيّة ، وهي : إنّه لا يقع شيء في هذا الوجود إلّا بإذن الله «لا مؤثّر في الوجود إلّا الله».
فبإذن الله تفعل الأسباب فعلها وتنشىء آثارها وتحقّق نتائجها.
وهذه قاعدة كلّيّة في التصوّر الإسلامي ، لا بدّ من وضوحها في ضمير المؤمن تماما.
قال سيد قطب : وأقرب ما يمثّل هذه القاعدة في مثل هذا المقام ، أنّك إذا عرضت يدك للنّار فإنّها تحترق. ولكن هذا الاحتراق لا يكون إلّا بإذن الله. فالله هو الذي أودع النار خاصّيّة الحرق ، وأودع يدك خاصّيّة الاحتراق بها ، وهو قادر على أن يوقف هذه الخاصّيّة حين لا يأذن ، لحكمة خاصّة يريدها ، كما وقع لإبراهيم عليهالسلام.
وكذلك هذا السحر الذي يفرّقون به بين المرء وزوجه ، ينشىء هذا الأثر بإذن الله ، وهو قادر على أن يوقف هذه الخاصّيّة فيه ، حين لا يأذن لحكمة خاصّة يريدها وهكذا بقيّة ما نتعارف عليه بأنّها مؤثّرات وآثار. كلّ مؤثّر مودع خاصّيّة التأثير بإذن الله ، فهو يعمل بهذا الإذن ، ويمكن أن يوقف مفعوله كما أعطاه هذا المفعول حين يشاء. (١)
__________________
(١) في ظلال القرآن ١ : ١٢٩ ـ ١٣٠.