[٢ / ٢٨٨٠] أخرج ابن المنذر من طريق الأوزاعي عن هارون بن رئاب قال : دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده رجل قد ثنّيت له وسادة وهو متكّىء عليها قالوا : هذا قد لقي هاروت وماروت!. فقلت : حدّثنا. فأنشأ يحدّث ـ ولم يتمالك دموعه ـ فقال : كنت غلاما حدثا ولم أدرك أبي. وكانت أمّي تنفق عليّ وتعطينى من المال ما أفسده وأبذره ولا تمنعني منه. فلمّا كبرت وطال ذلك أحببت أن أعلم : من أين لأمّي هذه الأموال؟! فسألتها يوما ، فقالت : كل وتنعّم ولا تسأل ، فهو خير لك! فألححت عليها فقالت : إنّ أباك كان ساحرا وجمع هذه الأموال من السحر قال : فأكلت ما أكلت ومضى ما مضى ، ثمّ تفكّرت وقلت : يوشك أن يذهب هذا المال ويفنى ، فينبغي أن أتعلّم السحر فأجمع كما جمع أبي! فسألت أمّي : من كان خاصّة أبي وصديقه؟ قالت : فلان في مكان مّا! فتجهّزت وأتيته فقال : من الرجل؟ قلت : ابن فلان صديقك. قال : نعم ، مرحبا. ما جاء بك ، وقد ترك أبوك مالا لا نفاد له! قلت : جئت لأتعلّم السحر! قال : يا بنيّ لا ترده ، لا خير فيه! قلت : لا بدّ من ذلك فألحّ عليّ بالترك وألححت عليه بالوفاق.
فقال : أمّا إذا أبيت ، فاذهب الآن ، وإذا كان يوم كذا فوافني هاهنا ففعلت ووافيته على الموعد وكان يناشدني أيضا وينهاني وأنا مصرّ على العمل فلمّا رآني قد أبيت قال لي : فإنّي أدخلك موضعا ، فإيّاك أن تذكر الله فيه!! فأخذني وأدخلني في سرب تحت الأرض ، فجعلت أدخل ثلاثمأة وكذا مرقاة ولا أنكر من ضوء النهار شيئا. فلمّا بلغت أسفله إذا أنا بهاروت وماروت معلّقان بالسلاسل في الهواء ، وإذا أعينهما كالترسة ولهما أجنحة فنظرا إليّ فقالا : آدميّ؟ قلت : نعم! قالا : من أمّة من؟ قلت : من أمّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم! قالا : أو بعث؟ قلت : نعم! قالا : اجتمع الناس على رجل واحد أم هم مختلفون؟ قلت : قد اجتمعوا على رجل واحد! فساءهما ذلك قالا : كيف ذات بينهم؟ قلت : سيّء! فسرّهما ذلك فقالا : هل بلغ البنيان بحيرة الطبريّة؟ قلت : لا ، فساءهما ذلك فسكتا ، فقلت لهما : ما بالكما حين أخبرتكما على الاجتماع ساءكما ذلك؟ قالا : إنّ الساعة لم تقترب مادام الناس مجتمعين على رجل واحد. قلت : فما بالكما سرّكما حين أخبرتكما بفساد ذات البين؟ قالا : لأنّا رجونا اقتراب الساعة! قلت : فما شأن بحيرة الطبريّة؟ قالا : لأنّ الساعة لا تقوم حتّى يبلغ البنيان بحيرة الطبريّة! فقلت لهما :