التي ليس لها اسم بعد ، كيف يحسّ أنّ أمرا مّا سيحدث بعد قليل أو أنّ شخصا مّا قادم بعد قليل ، ثمّ يحدث ما توقّع على نحو من الأنحاء؟!
إنّه من المكابرة في الواقع أن يقف إنسان لينفي ببساطة مثل هذه القوى الروحيّة في الكائن البشري ، لمجرّد أنّ العلم لم يهتد بعد إلى وسيلة يجرّب بها هذه القوى؟!
نعم ، ليس معنى هذا هو التسليم بكلّ خرافة ، والجري وراء كلّ أسطورة. إنّما الأسلم والأحوط أن يقف العقل الإنساني أمام هذه المجاهيل موقفا مرنا : لا ينفي على الإطلاق ولا يثبت على الإطلاق ، حتّى يتمكّن العلم بوسائله المتاحة له بعد ارتقاء هذه الوسائل من إدراك ما يعجز الآن عن إدراكه ، أو يسلّم بأنّ في الأمر شيئا فوق طاقته ، فيعرف حدوده ، ويحسب للمجهول في هذا الكون حسابه.
قال سيّد قطب : السحر من قبيل هذه الأمور. وتعليم الشياطين للناس من قبيل هذه الأمور. وقد تكون صورة من صوره : القدرة على الإيحاء والتأثير ، إمّا في الحواسّ والأفكار ، وإمّا في الأشياء والأجسام وإن كان السحر الذي ذكر القرآن وقوعه من سحرة فرعون كان مجرّد تخييل لا حقيقة له : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) ولا مانع أن يكون مثل هذا التأثير وسيلة للتفريق بين المرء وزوجه ، وبين الصديق وصديقه. فالانفعالات تنشأ من التأثّرات وإن كانت الوسائل والآثار ، والأسباب والمسبّبات ، لا تقع إلّا بإذن الله ، حسبما أسلفناه.
قال : أمّا من هما هاروت وماروت؟ ومتى كانا ببابل؟ فإنّ قصّتهما كانت متعارفة بين اليهود ، حيث لم يكذّبوا هذه الإشارة ولم يعترضوا عليها وقد وردت في القرآن الكريم إشارات مجملة لبعض الأحداث التي كانت معروفة عند المخاطبين بها ، وكان في ذلك الإجمال كفاية لأداء الغرض ، ولم يكن هنالك ما يدعو إلى تفصيل أكثر ، لأنّ هذا التفصيل ليس هو المقصود.
وليس من المستحسن لنا الجري خلف الأساطير الكثيرة التي وردت حول قصّة هاروت وماروت ، إذ ليست هنالك رواية واحدة محقّقة يوثق بها.
ولقد مضى في تاريخ البشريّة من آيات وابتلاءات ما يناسب حالتها وإدراكها في كلّ طور من أطوارها فإذا جاء الاختبار في صورة ملكين ، أو في صورة رجلين طيّبين كالملائكة. فليس هذا