[٢ / ٢٩٣٩] ومنه قول الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام وقد مرّ على قاض بالكوفة ، فسأله : هل تعرف الناسخ عن المنسوخ؟ فقال : لا. فقال له الإمام : «إذن هلكت وأهلكت. وأضاف : تأويل كلّ حرف من القرآن على وجوه». (١)
ولعلّ هذا القاضي هو أبو يحيى المعرّف ، كما جاء في حديث سعيد بن أبي الحسن : أنّ أبا يحيى قال له : أنا هو وذكر القصّة. (٢)
حيث مراده عليهالسلام أنّ في القرآن عامّا وخاصّا وإطلاقا وتقييدا وإجمالا وتفصيلا ونحو ذلك ، ممّا يتغيّر به المعنى عند المقارنة. يدلّ على ذلك ذيل كلامه عليهالسلام : «تأويل كلّ حرف من القرآن على وجوه» أي ينصرف تفسير كلّ آية إلى وجوه من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وأيّ تغيير ، عند ملاحظة النسب القائمة بين مختلف الآيات الأمر الذي يجب التفطّن له عند الاستنباط.
ومن الطبيعيّ وقوع مثل هذا النسخ في القرآن وفي الحديث لا محالة ومن ثمّ لا يجوز الأخذ بأيّ عموم أو إطلاق في القرآن أو في الحديث ، إلّا بعد الفحص عن المخصّص أو المقيّد ، واليأس عنه. هذا أمر معروف لا غبار عليه.
إنّما الكلام في النسخ المصطلح عند المتأخّرين ، أي رفع الحكم السابق رأسا وبحذافيره. ليخلفه حكم جديد تماما.
مثل هذا النسخ ، إن لوحظ بالنسبة إلى شرائع سابقة ولا حقة ، أو في شريعة بالذات ، ليرتفع حكم ويخلفه حكم آخر تماما .. فلعلّ وقوع مثل هذا النسخ أيضا طبيعيّ. إذ من طبيعة الحركة الإصلاحيّة الآخذة في طريق التقدّم والاكتمال ، أن يتوارد على تشريعاتها تغييرات ونسخ متتابع ، حسب تدرّجها التصاعدي نحو قمّه الكمال.
وهل شملت ظاهرة النسخ ـ بهذا المعنى ـ القرآن الكريم ، بأن تنسخ آية أخرى نزلت بعدها فرفعت حكمها تماما؟! الأمر الذي لا نكاد نصدّقه ولا كان له شاهد في كتاب الله. إنّ كتاب الله دستور خالد عامّ ولا معنى لأن توجد فيه آية منسوخة المفاد ، لا فائدة في ثبتها سوى القراءة والترتيل.
وما ذكروه شاهدا لذلك ، فأكثره الغالب من النسخ بمصطلحه القديم. أمّا النسخ بمصطلحه
__________________
(١) العيّاشي ١ : ١٢ / ٩.
(٢) رسالة الناسخ والمنسوخ لابن حزم ، بهامش تفسير الجلالين ٢ : ١٥٠.