كتاب الله ورعيناها. وقال أبيّ بن كعب : إنّ سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة أو أطول منها!!
قال : والشافعي ، لا يظنّ به موافقة هؤلاء في هذا القول ، ولكنّه استدلّ بما هو قريب من هذا في عدد الرضعات (١) ؛ فإنّه صحّح ما يروى عن عائشة وأنّ ممّا أنزل في القرآن «عشر رضعات معلومات يحرّمن» فنسخن بخمس رضعات معلومات ، وكان ذلك ممّا يتلى في القرآن بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال : والدليل على بطلان هذا القول قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). ومعلوم أنّه ليس المراد الحفظ لديه تعالى ، فإنّه يتعالى من أن يوصف بالغفلة أو النسيان ، فعرفنا أنّ المراد الحفظ لدينا ... وقد ثبت أنّه لا ناسخ لهذه الشريعة بوحي ينزل بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولو جوّزنا هذا في بعض ما أوحي إليه لوجب القول بتجويز ذلك في جميعه ، فيؤدّي ذلك إلى القول بأن لا يبقى شيء ممّا ثبت بالوحي بين الناس ، في حال بقاء التكليف! وأيّ شيء أقبح من هذا؟! ومن فتح هذا الباب لم يأمن أن يكون بعض ما بأيدينا اليوم أو كلّه مخالف لشريعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن نسخ الله ذلك بعده ، وألّف بين قلوب الناس ، على أن ألهمهم ما هو خلاف شريعته! فلصيانة الدين إلى آخر الدهر ، أخبر الله تعالى أنّه هو الحافظ لما أنزله على رسوله. وبه يتبيّن أنّه لا يجوز نسخ شيء منه بعد وفاته. وما ينقل من أخبار الآحاد شاذّ لا يكاد يصحّ شيء منها.
قال : وحديث عائشة لا يكاد يصحّ ، لأنّه (أي الراوي) قال في ذلك الحديث : وكانت الصحيفة تحت السرير ، فاشتغلنا بدفن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فدخل داجن البيت فأكله! ومعلوم أنّ بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب ، ولا يتعذّر عليهم إثباته في صحيفة أخرى! فعرفنا أنّه لا أصل لهذا الحديث. (٢)
قلت : في كلام هذا المحقّق كفاية في إبطال هذا الزعم ، وأن لا حجّية في خبر واحد في هذا الشأن ، ولا سيّما جانب مساسه بكرامة القرآن ، واستلزام التلاعب بآية الكريمة ، بعد وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم. الأمر الذي تبطله آية الحفظ وضمانه تعالى في حفظ كتابه من التحريف والزيادة والنقص ، لأنّه كلامه المجيد ، يجب أن يبقى معجزه خالدة ترافق الإسلام عبر الأبد.
قال الجزيرى ـ ردّا على الزعم المذكور ـ : إنّ المسلمين قد أجمعوا على أنّ القرآن هو ما تواتر
__________________
(١) وهكذا استدلّ أبو محمّد بن حزم بذلك في المحلّى ١٠ : ١٥.
(٢) أصول السرخسي ٢ : ٧٨ ـ ٨٠.