ولكنّه أخبره بأنّها كانت تعدل سورة البقرة ولم يقل له : إنّها تعدل الآن ، فصحّ نسخ لفظها!
ثمّ يروي آية الرجم عن زيد وعمر بن الخطّاب ويقول : إسناد جيّد.
[٢ / ٢٩٤٤] ويروى عن عائشة ، قالت : لقد نزلت آية الرجم والرضاعة ، فكانتا في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها!
قال : وهذا حديث صحيح. وليس هو على ما ظنّوا ، لأنّ آية الرجم إذ نزلت حفظت وعرفت وعمل بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا أنّه لم يكتبها نسّاخ القرآن في المصاحف ، ولا أثبتوا لفظها في القرآن ، وقد سأله (أي زيدا) عمر بن الخطّاب ذلك فلم يجبه! فصحّ نسخ لفظها ، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها كما قالت عائشة ، فأكلها الداجن ولا حاجة بأحد إليها. (١)
قلت : وإنّي لأستغرب هذا التمحّل الفاضح في كلام مثل هذا الرجل المعروف بالتحقيق ودقّة النظر والاختيار!
كيف يقول : لا حاجة إليها وهي سند حكم تشريعيّ ثابت! ثمّ كيف لا يعلم بالآية أحد من كتبة الوحي ولم يكتبوها سوى أنّها كتبت في صحيفة وأودعت عند عائشة فحسب ، وكيف أنّها تركتها تحت سريرها ليأكلها داجن البيت؟! كلّ ذلك لغريب يستبعده العقل السليم.
والذي غرّ هؤلاء : أنّها أحاديث جاءت في الصحاح الستّة وغيرها (٢) ، ولا بدّ لهم ـ وهم متعبّدون بما جاء فيها ـ أن يتقبّلوها على علّاتها مهما خالفت نهج النقد والتحقيق.
هذا وقد أكثر جلال الدين السيوطي (٣) من نقل هكذا روايات ساقطة ، ومن قبله شيخه بدر الدين الزركشي ولكن مع شيء من الترديد (٤) وقد أخذها بعض الكاتبين المحدثين أدلّة قاطعة من غير تحقيق. قال ـ متشدّقا ـ : وإذا ثبت وقوع هذين النوعين كما ترى ، ثبت جوازهما ، لأنّ الوقوع أعظم دليل على الجواز كما هو مقرّر. وإذن بطل ما ذهب إليه المانعون له من ناحية الشرع ، كأبي
__________________
(١) المحلّى ١١ : ٢٣٤ ـ ٢٣٦.
(٢) راجع : البخاري ٨ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ ومسلم ٥ : ١١٦ و ٤ : ١٦٧ والحاكم ٤ : ٣٥٩. ومسند أحمد ١ : ٢٣ و ٢ : ٤٣ والترمذي ٤ : ٣٩ و ٣ : ٤٥٦.
(٣) راجع : الإتقان ٣ : ٧٢ ـ ٧٥. والدرّ ٤ : ٣٦٦ ، ذيل الآية ٥٢ من سورة الحجّ.
(٤) راجع : البرهان ٢ : ٣٥ ـ ٣٧.