قال : وأمّا نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ، فبيانه فيما قال علماؤنا : أنّ صوم كفّارة اليمين ثلاثة أيّام متتابعة ، بقراءة ابن مسعود : «فصيام ثلاثة أيّام متتابعات». وقد كانت هذه قراءة مشهورة إلى زمن أبي حنيفة ، ولكن لم يوجد فيها النقل المتواتر الذي يثبت بمثله القرآن ، وابن مسعود لا يشكّ في عدالته وإتقانه ، فلا وجه لذلك إلّا أن نقول : كان ذلك ممّا يتلى في القرآن ـ كما حفظه ابن مسعود ـ ثمّ انتسخت تلاوته في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بصرف القلوب عن حفظها إلّا قلب ابن مسعود ، ليكون الحكم باقيا بنقله ، فإنّ خبر الواحد موجب للعمل به ، وقراءته لا تكون دون روايته ، فكان بقاء هذا الحكم بعد نسخ التلاوة بهذا الطريق. (١)
قلت : غير خفيّ وهن هذا الاستدلال وضعف هذا التأويل!
***
وفيما يلي عرض لها أسهبه ابن حزم الأندلسي بهذا الشأن وهو الإمام المحقّق صاحب مذهب واختيار ، ومن ثمّ فإنّ ذلك منه غريب جدّا.
قال : فأمّا قول من لا يرى الرجم أصلا فقول مرغوب عنه ، لأنّه خلاف الثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد كان نزل به قرآن ، ولكنّه نسخ لفظه وبقي حكمه. ثمّ يروي عن سفيان عن عاصم عن زرّ :
[٢ / ٢٩٤٣] قال : قال لي أبيّ بن كعب : كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلت : إمّا ثلاثا وسبعين آية أو أربعا وسبعين آية! قال : إن كانت لتقارن سورة البقرة ، أو لهي أطول منها ، وإن كان فيها لآية الرجم! قلت : أبا المنذر ، وما آية الرجم؟ قال : «إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة نكالا من الله والله عزيز حكيم».
قال : هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه.
ثمّ روى بطريق آخر عن منصور عن عاصم عن زرّ ، وقال : فهذا سفيان الثوري ومنصور شهدا على عاصم ، وما كذبا ، فهما الثّقتان الإمامان البدران ، وما كذب عاصم على زرّ ، ولا كذب زرّ على أبيّ.
قال : ولكنّها نسخ لفظها وبقي حكمها ، ولو لم ينسخ لفظها لأقرأها أبيّ بن كعب زرّا بلا شكّ ،
__________________
(١) أصول السرخسي ٢ : ٨١.