تقتضي نزولها هي اشتمالها على حكم تشريعيّ ثابت ، فلماذا ترفع الآية وحدها! في حين اقتضاء المصلحة بقاءها لتكون سندا للحكم الشرعي الثابت!
ومن ثمّ فإنّ القول بذلك استدعى تشنيع أعداء الإسلام وتعييرهم على المسلمين في كتابهم المجيد.
وأخيرا فإنّ الالتزام بذلك ـ حسب منطوق تلك الروايات ـ التزام صريح بتحريف القرآن الكريم ، وحاشاه من كتاب إلهي خالد ، مضمون بالحفظ مع الخلود.
ولذلك فإنّ هذا القول باطل عندنا ـ معاشر الإماميّة ـ رأسا ، لا مبرّر له إطلاقا ، فضلا عن مساسه بقداسة القرآن المجيد.
قال سيّدنا الأستاذ ـ طاب ثراه ـ : أجمع المسلمون على أنّ النسخ لا يثبت بخبر الواحد ، كما أنّ القرآن لا يثبت به. وذلك لأنّ الأمور المهمّة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس وانتشار الخبر عنها ، لا تثبت بخبر الواحد ، فإنّ اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطائه. وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أنّ آية الرجم من القرآن وأنّها نسخت؟! نعم جاء عمر بآية الرجم وادّعى أنّها من القرآن ، لكن المسلمين لم يقبلوا منه. لأنّ نقلها كان منحصرا به ، فلم يثبتوها في المصاحف ، لكنّ المتأخرين التزموا بأنّها كانت آية منسوخة التلاوة باقية الحكم. (١)
***
هذا ولكن جلّ علماء أهل السنّة بما فيهم من فقهاء كبار وأئمّة محقّقين ، التزموا بهذا القول المستند إلى لفيف من أخبار آحاد حسبوها صحيحة الإسناد ، وهذا إيثار لكرامة القرآن على حساب روايات لا حجيّة فيها في هذا المجال ، وإن فرضت صحيحة الإسناد في مصطلحهم ، إذ صحّة السند إنّما تجدي في فروع مسائل فقهيّة ، لا إذا كانت تمسّ كرامة القرآن وتمهّد السبيل لإدخال الشكوك على كتاب المسلمين.
هذا الإمام السرخسي ـ المحقّق الأصولي الفقيه ـ بينما شدّد النكير على القائل بالنسخ من النوع الأوّل ، إذا هو يلتزم به في هذا النوع ، في حين عدم فرق بينهما فيما ذكره من استدلال لبطلان الأوّل!
__________________
(١) البيان : ٣٠٤.