يصحّ لديهم شيء من أسانيدها بتاتا ، ولأنّ كتاب الله العزيز الحميد أعزّ شأنا وأعظم جانبا من أن يحتمل التحريف!
هذا مضافا إلى أنّ توجيه الغلط غلط آخر بل أفحش ، الأمر الذي ارتكبه القوم مع الأسف!
هذا الإمام المحقّق الاصولي محمّد بن أحمد السرخسي ، بينما ينكر أشدّ الإنكار مسألة وقوع النسخ بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كما عرفت ـ تراه يعترف بمسألة نسخ التلاوة دون الحكم ، ويؤوّلها إلى إمكان سبق النسخ على الوفاة مع خفائه على الصحابة الأوّلين!
قال : وأمّا نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فبيانه ـ فيما قال علماؤنا ـ : إنّ صوم كفّارة اليمين ثلاثة أيّام متتابعة ، بقراءة ابن مسعود : «فصيام ثلاثة أيّام متتابعات». وقد كانت هذه قراءة مشهورة إلى زمن أبي حنيفة. ولكن لم يوجد فيه النقل المتواتر الذي يثبت بمثله القرآن. وابن مسعود لا يشكّ في عدالته وإتقانه. فلا وجه لذلك إلّا أن نقول : كان ذلك ممّا يتلى في القرآن كما حفظه ابن مسعود ، ثمّ انتسخت تلاوته في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بصرف الله القلوب عن حفظها إلّا قلب ابن مسعود ليكون الحكم باقيا بنقله ، فإنّ خبر الواحد موجب للعمل به ، وقراءته لا تكون دون روايته ، فكان بقاء هذا الحكم بعد نسخ التلاوة بهذا الطريق. (١)
انظر إلى هذا التمحّل الباهت والتأويل الغريب :
أوّلا : كلّ ما ذكره بهذا الصدد لا يعدو تخرّصا بالغيب من دون استناد إلى شاهد أو دليل قاطع ، ومن ثمّ فهي محاولة فاشلة تجاه أمر واقع ـ فيما حسبوا صحّته ـ الأمر الذي يشبه علاج القضيّة بعد وقوعها علاجا من غير جدوى.
ثانيا : إذا كانت القراءة مشهورة إلى عهد متأخّر ، فهي كسائر القراءات المشهورة عن أصحابها تصبح حجّة ـ في مصطلحهم ـ ولا يجب ثبوتها بالتواتر عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كما أسلفنا : أنّ القراءات المعروفة ليست متواترة لا عن عهد الرسالة ولا عن أربابها أيضا. هذا مع كون القرآن بذاته متواترا وفق قراءة المشهور.
__________________
(١) اصول السرخسي ٢ : ٨٠.