رجالا معهم الشّفار (١) ، يطوفون في بني إسرائيل ، فلا يجدون مولودا ذكرا إلّا ذبحوه ، ففعلوا. فلمّا رأوا أنّ الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم ، وأنّ الصغار يذبحون ، قال : توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة ما كانوا يكفونكم ، فاقتلوا عاما كلّ مولود ذكر فتقلّ أبناؤهم ودعوا عاما. فحملت أمّ موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان ، فولدته علانية أمّه ، حتّى إذا كان القابل حملت بموسى (٢).
[٢ / ١٧٩١] وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق ، قال : ذكر لي أنّه لمّا تقارب زمان موسى أتى منجّمو فرعون وحزّاؤه (٣) إليه ، فقالوا له : تعلّم (٤) أنّا نجد في علمنا أنّ مولودا من بني إسرائيل قد أظلّك زمانه الذي يولد فيه ، يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك ويخرجك من أرضك ويبدّل دينك! فلمّا قالوا له ذلك أمر بقتل كلّ مولود يولد من بني إسرائيل من الغلمان ، وأمر بالنساء يستحيين. فجمع القوابل من نساء مملكته فقال لهنّ : لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلّا قتلتنّه ، فكنّ يفعلن ذلك ، وكان يذبح من فوق ذلك من الغلمان ، ويأمر بالحبالى فيعذّبن حتّى يطرحن ما في بطونهنّ! (٥).
[٢ / ١٧٩٢] وعن مجاهد قال : لقد ذكر أنّه كان ليأمر بالقصب فيشقّ حتّى يجعل أمثال الشّفار ، ثمّ يصفّ بعضه إلى بعض ، ثمّ يؤتى بالحبالى من بني إسرائيل فيوقفن عليه فيحزّ أقدامهنّ حتّى أنّ المرأة منهنّ لتمصع (٦) بولدها فيقع من بين رجليها ، فتظلّ تطؤه تتّقي به حدّ القصب عن رجلها لما بلغ من جهدها. حتّى أسرف في ذلك وكاد يفنيهم ، فقيل له : أفنيت الناس وقطعت النسل ، وإنّهم خولك وعمّالك! فأمر أن يقتل الغلمان عاما ويستحيوا عاما. فولد هارون في السنة التي يستحيا فيها الغلمان ، وولد موسى في السنة التي فيها يقتلون (٧).
__________________
(١) جمع شفرة : سكّين عظيم عريض.
(٢) الطبري ١ : ٣٨٨ / ٧٤٨ ؛ النسائي ٦ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ / ١١٣٢٦ ، كتاب التفسير ، سورة طه ؛ ابن عساكر ٦١ : ٨١ ـ ٨٢ / ٧٧٤١ (موسى بن عمران).
(٣) الحزّاء : الذين ينظرون في النجوم أو الجوارح فيتكهّنون.
(٤) أي تفهّم واعرف ذلك جيّدا.
(٥) الطبري ١ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ / ٧٥٢.
(٦) مصعت المرأة بالولد : رمت به.
(٧) الطبري ١ : ٣٩٠ / ٧٥٣ ؛ الدرّ ٦ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ ، (سورة القصص ٢٨ : ٤).