عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا : «أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة» فإنّا لا نجدها؟ قال ابن عوف : اسقطت فيما اسقط من القرآن!
[٢ / ٢٩٤٧] وقال لأبيّ بن كعب : أوليس كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : «إنّ انتفاءكم من آبائكم كفر بكم»؟ فقال : بلى. ثمّ قال : أو ليس كنّا نقرأ : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فيما فقدنا من كتاب الله؟ فقال أبيّ : بلى!
[٢ / ٢٩٤٨] ومن ثمّ كان عبد الله بن عمر يقول : لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ، ما يدريه ما كلّه ، قد ذهب منه قرآن كثير ... (١).
[٢ / ٢٩٤٩] وقالت عائشة : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مائتي آية فلمّا كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلّا ما هو الآن (٢).
وقالت ـ فيما زعمته قرآنا بشأن الرضعات ـ : فتوفّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهنّ ممّا يقرأ من القرآن (٣) وأمثال ذلك كثير.
فقد حاول القوم توجيه ذلك كلّه بأنّها ممّا نسيت وذهب حفظها عن الصدور. ذكر ذلك جلال الدين السيوطي في ذيل قوله تعالى : (أَوْ نُنْسِها) عطفا على قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ...)(٤).
والنسخ والإنساء تعبيران عن معنى واحد ، غير أنّ الأوّل يعني رفع الشيء بعد ثبوته في الأعيان ، والثاني ذهابه من الأذهان.
والآية الكريمة تعريض بأهل الكتاب ، كانوا قد حاولوا التشكيك في معتقدات المسلمين : إنّ دين الله لا يتبدّل ولا يختلف فلا موضع لدين جديد.
فجاءت الآية ردّا لهذه الشبهة : إنّ المصالح تختلف مادامت حياة الإنسان في تطوّر مستمرّ ، فالشريعة القديمة إذا نسخت بشريعة جديدة ، فإنّما هي لمصالح مقتضية ، والكلّ حسب الشرائط الراهنة ، علاج نافع أو أتمّ.
وقوله : (أَوْ نُنْسِها ...) أي ذهبت معالمها عن صفحة الأذهان ، بما تقادم عهدها وتمادّت مدّتها ، ولم يعد لها ذكر في عالم الوجود.
__________________
(١) الدرّ ١ : ١٠٦.
(٢) الإتقان ٢ : ٤٠ ـ ٤١.
(٣) المحلّى ١٠ : ١٤ ـ ١٦.
(٤) البقرة ٢ : ١٠٦.