ثمّ قال الإمام عليهالسلام بعد ذلك : ثمّ بعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعشر آيات من سورة براءة مع أبي بكر ، وفيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين وتحريم قرب مكّة على المشركين ، وأمّر أبا بكر على الحجّ ليحجّ بمن ضمّه الموسم ويقرأ الآيات عليهم ، فلمّا صدر عنه أبو بكر جاءه جبرائيل عليهالسلام ، فقال : يا محمّد إنّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السّلام ويقول : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك ، فابعث عليّا ليتناول الآيات ، فيكون هو الذي ينبذ العهود ويقرأ الآيات ... ولقي أبو بكر بعد ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، أنت أمّرت عليّا أن يأخذ الآيات؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا ولكنّ العليّ العظيم أمرني ألّا ينوب عنّي إلّا من هو منّي ... فسرّي (١) بذلك عن أبي بكر.
قال : فمضى عليّ عليهالسلام لأمر الله ونبذ العهود إلى أعداء الله وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله ، وكانوا عددا كثيرا وجمّا غفيرا غشّاه الله نوره وكساه فيهم هيبة وجلالا ، لم يجسروا معها على إظهار خلاف ولا قصد بسوء ، قال : وذلك قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) وهي مساجد خيار المؤمنين بمكّة لمّا منعوهم من التعبّد فيها بأن ألجأوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الخروج من مكّة (وَسَعى فِي خَرابِها) خراب تلك المساجد لئلّا تعمر بطاعة الله ، قال الله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) أن يدخلوا بقاع تلك المساجد في الحرم إلّا خائفين من عذابه وحكمه النافذ عليهم إن يدخلوها كافرين بسيوفه وسياطه (لَهُمْ) لهؤلاء المشركين (فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) ، وهو طرده إيّاهم عن الحرم ومنعهم أن يعودوا إليه (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)». (٢)
__________________
(١) سرّي عنه : انكشف عنه الهمّ. «القاموس المحيط ـ مادة سرو».
(٢) تفسير الإمام : ٥٥٤ ـ ٥٦٠ ؛ البحار ٢١ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، و ٣٥ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨.