[٢ / ١٣٠٢٨] وروي عن الإمام العسكري عليهالسلام قال : «قال الحسن بن عليّ عليهالسلام : لمّا بعث الله محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكّة وأظهر بها دعوته ، ونشر بها كلمته ، وعاب أديانهم في عبادتهم الأصنام ، واجدوه وأساؤوا معاشرته وسعوا في خراب المساجد المبنية ، كانت لقوم من خيار أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون ، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها وإيذاء محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وسائر أصحابه وألجأوه إلى الخروج من مكّة نحو المدينة.
فلمّا خرج التفت خلفه وقال : «الله يعلم أنّي أحبّك ، ولو لا أنّ أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا ولا ابتغيت عنك بدلا ، وإنّي لمغتمّ على مفارقتك» ، فأوحى الله إليه : يا محمّد إنّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السّلام ويقول : سأردّك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما قادرا قاهرا ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(١) يعني إلى مكّة غانما ظافرا ، فأخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه ، فاتّصل بأهل مكّة ، فسخروا منه ، فقال تعالى لرسوله : سوف أظفرك بمكّة وأجري عليهم حكمي وسوف أمنع من دخولها المشركين حتّى لا يدخلها أحد منهم إلّا خائفا إن دخلها مستخفيا من أنّه إن عثر عليه قتل.
فلمّا حتم قضاء الله بفتح مكّة واستوسقت (٢) له ، أمّر عليهم عتّاب بن أسيد (٣) ، فلمّا اتّصل بهم خبره قالوا : إنّ محمّدا لا يزال يستخفّ بنا حتّى ولّى علينا غلاما حدث السن ، ابن ثماني عشرة سنة ، ونحن مشايخ ذوو الأسنان وخدّام بيت الله الحرام ، وجيران حرمه الآمن ، خير بقعة على وجه الأرض. وكتب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعتّاب بن أسيد عهدا على أهل مكّة وكتب في أوّله : بسم الله الرحمان الرحيم ، من محمّد رسول الله إلى جيران بيت الله وسكّان حرم الله ، أمّا بعد ، وذكر العهد ، وقرأه عتّاب على أهل مكّة.
__________________
(١) القصص ٢٨ : ٨٥.
(٢) استوسق الأمر : انتظم وأمكن. «المعجم الوسيط ـ مادة وسق».
(٣) عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، القرشيّ الأموي ، يكنّى أبا عبد الرحمان ، وقيل : أبو محمّد. أسلم يوم فتح مكّة ، واستعمله النبيّ عليها لمّا سار إلى حنين وبقي على مكة إلى أن توفّي رسول الله فأقرّه أبو بكر عليها ، فاستمرّ فيها إلى أن مات يوم مات أبو بكر في ١٣ ه ، وقيل في ٢٣ ه ؛ الكامل في التاريخ : ٢ : ٢٦٢ ؛ الإصابة ٤ : ٢١١ / ٥٣٨٣ ؛ أسد الغابة ٣ : ٤٥١ (٣٥٣٢).