كان كنت عليه؟ فقد تركته إلى باطل ، فإنّما يخالف الحقّ الباطل؟! أو باطلا كان ذلك ، فقد كنت عليه طول هذه المدّة! فما يؤمّننا أن تكون الآن على باطل؟! فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : بل ذلك كان حقّا وهذا حقّ ، يقول الله : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(١) إذا عرف صلاحكم يا أيّها العباد في استقبال المشرق ، أمركم به ، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب ، أمركم به ، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به ، فلا تنكروا تدبير الله في عباده ، وقصده إلى مصالحكم.
ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مخاطبا لليهود ـ : قد تركتم العمل يوم السبت ، ثمّ عملتم بعده سائر الأيّام ، ثمّ تركتموه في السبت ثمّ عملتم بعده ، أفتركتم الحقّ إلى باطل أو الباطل إلى حقّ؟ أو الباطل إلى باطل؟ أو الحقّ إلى حقّ؟ قولوا كيف شئتم ، فهو قول محمّد وجوابه لكم.
قالوا : بل ترك العمل في السبت حقّ ، والعمل بعده حقّ! فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حقّ ، ثمّ قبلة الكعبة في وقته حقّ.
ثمّ قالوا : يا محمّد ، أفبدا لربّك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس ، حين نقلك إلى الكعبة؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما بدا له عن ذلك ، فإنّه العالم بالعواقب ، والقادر على المصالح ، لا يستدرك على نفسه غلطا ، ولا يستحدث رأيا يخالف المتقدم ، جلّ عن ذلك ، ولا يقع أيضا عليه مانع يمنعه عن مراده ، وليس يبدو إلّا لمن كان هذا وصفه ، وهو ـ عزوجل ـ متعال عن هذه الصفات علوّا كبيرا.
ثمّ قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيّها اليهود ، أخبروني عن الله ، أليس يمرض ثمّ يصحّ؟ ويصحّ ثمّ يمرض؟ أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت؟ أليس يأتي بالليل في أثر النهار ثمّ بالنهار في أثر الليل؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟ قالوا : لا ، قال : فكذلك الله تعبّد نبيّه محمّدا ، بالصلاة إلى الكعبة ، بعد أن تعبّده بالصلاة إلى بيت المقدس ، وما بدا له في الأوّل.
ثمّ قال : أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف؟ والصيف في أثر الشتاء؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟ قالوا : لا ، قال : فكذلك لم يبد له في القبلة. ثمّ قال : أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة؟ وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحرّ؟ فبدا له في الصيف حتّى أمركم
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٤٢.