أمّا الإرادة التكوينيّة فلا يتخلّف عنها المراد ، ما أراد الله كان وما لم يرد لم يكن : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(١).
بل لا حاجة إلى قولة «كن» وإنّما هي تقدير. وبعبارة فنّيّة : إنّ نفس إرادته تعالى لتكوين شيء كافية في تحقّقه وجودا. والأمر في قوله «كن» أمر تكويني أيضا ، حيث إرادته تعالى هو فعله ، كما عرفت.
[٢ / ٣١٢٩] وفي حديث الإمام أبي الحسن الرضا عليهالسلام في قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) قال : «(كُنْ) منه صنع ، وما يكون به [هو] المصنوع». (٢)
***
والتفكيك بين الإرادتين شيء معروف في أحاديث أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، منها :
[٢ / ٣١٣٠] ما رواه الصدوق بإسناده عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام قال : «إنّ لله إرادتين ومشيئتين ، إرادة حتم وإرادة عزم». ثمّ شرح عليهالسلام الثانية بقوله : «ينهى وهو يشاء» أي يشاء أن يقع ، وإن كان نهى عنه ـ في الظاهر ـ أن لا يقع. فنهيه نهي تشريع ، أمّا مشيئته فمشيئة تكوين. وقد مثّل له الإمام عليهالسلام بنهي آدم عن الأكل من الشجرة ، وقد كانت المصلحة تستدعي الأكل منها ، حيث خلق آدم ليعيش على الأرض ليعمرها ويكون خليفة الله فيها. فقد تخلّفت إرادته تعالى التشريعيّة عن إرادته التكوينيّة.
ثمّ قال عليهالسلام : «ويأمر وهو لا يشاء». ومثّل بأمره تعالى إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهماالسلام حيث تخلّف التشريع عن التكوين. (٣)
قال أبو جعفر الصدوق رحمهالله : إنّ الله تعالى نهى آدم وزوجه أن يأكلا من الشجرة ، وقد علم أنّهما يأكلان منها ، لكنّه تعالى شاء أن لا يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقهر ، كما منعهما من الأكل منها بالنهي والزجر. فهذا معنى مشيئته تعالى فيهما. ولو شاء منعهما من الأكل قهرا ثمّ أكلا منها لكانت مشيئتهما قد غلبت مشيئة الله ، تعالى الله عن ذلك. (٤)
__________________
(١) النحل ١٦ : ٤٠.
(٢) عيون الأخبار ١ : ١٥٤ ، باب ١٢ (في كيفيّة الخلق الأوّل) ؛ التوحيد : ٤٣٦ ، باب ٦٥ ؛ البحار ١٠ : ٣١٤ / ١ ، باب ١٩.
(٣) التوحيد : ٦٤ / ١٨ في خبر طويل ؛ البحار ٤ : ١٣٩ / ٥ ؛ الكافي ١ : ١٥١ ؛ مرآة العقول ٢ : ١٦١.
(٤) التوحيد : ٦٥ ـ ٦٦.