إسرائيل : إذا فرّج الله عنكم وأهلك أعداءكم أتيتكم بكتاب من ربّكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله ، فلمّا فرّج الله عنهم أمر الله ـ عزوجل ـ أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل ، وظنّ موسى أنّه بعد ذلك يعطيه الكتاب ، فصام موسى ثلاثين يوما ، فلمّا كان في آخر الأيّام استاك قبل الفطر ، فأوحى الله ـ عزوجل ـ إليه : يا موسى أما علمت أنّ خلوف (١) فم الصائم أطيب عندي من رائحة المسك؟ صم عشرا آخر ولا تستك عند الإفطار ، ففعل ذلك موسى عليهالسلام ، وكان وعد الله أن يعطيه الكتاب بعد أربعين ليلة ، فأعطاه إيّاه. فجاء السامريّ ، فشبّه على مستضعفي بني إسرائيل وقال : وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة ، وهذه عشرون ليلة وعشرون يوما تمّت أربعون ، أخطأ موسى ربّه وقد أتاكم ربّكم أراد أن يريكم أنّه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه ، وأنّه لم يبعث موسى لحاجة منه إليه ، فأظهر لهم العجل الذي كان عمله ، فقالوا له : كيف يكون العجل إلها؟ قال لهم : إنّما هذا العجل مكلّمكم منه ربّكم كما كلّم موسى من الشجرة ، فالإله في العجل كما كان في الشجرة ، فضلّوا بذلك وأضلّوا.
فقال موسى عليهالسلام : يا أيّها العجل أكان فيك ربّنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل وقال : عزّ ربّنا عن أن يكون العجل حاويا له أو شيء من الشجر والأمكنة عليه مشتملا ولا له حاويا لا والله يا موسى ، ولكن السامريّ نصب عجلا مؤخّره إلى الحائط وحفر في الجانب الآخر في الأرض وأجلس فيه بعض مردته ، فهو الذي وضع فاه على دبره وتكلّم لمّا قال : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى)(٢). (٣).
وهذا الحديث يزيد في غرابته نكارة محتواه : كيف يكون الاستياك ـ وهو عمل مندوب إليه ـ مستكرها يوجب عتاب فاعله واستحقاق التشديد عليه بالتكليف.
ثمّ فيه إغراء بالجهلة أن لا يستاكوا عند الإفطار ، حيث قوله : «أما علمت أنّ خلوف فم الصائم أطيب؟!» فقد كان موسى يعلم ذلك لكنّه تناساه!!. اللهمّ ان هذا إلّا اختلاق!
[٢ / ١٨٣٢] وهكذا ما رواه ابن جرير عن السدّي : لمّا أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل ـ يعني من أرض مصر ـ أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا وأمرهم أن يستعيروا الحليّ من القبط! فلمّا نجّى الله موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر ، وغرق آل فرعون ، أتى جبريل إلى موسى
__________________
(١) خلوف فم الصائم : رائحته الكريهة.
(٢) طه ٢٠ : ٨٨.
(٣) تفسير الإمام : ٢٤٧ ـ ٢٥٢ / ١٢٢.