يذهب به إلى الله ، فأقبل على فرس فرآه السامريّ ، فأنكره ، وقال : إنّه فرس الحياة (!) فقال حين رآه : إنّ لهذا لشأنا. فأخذ من تربة الحافر حافر الفرس. فانطلق موسى ، واستخلف هارون على بني إسرائيل ، وواعدهم ثلاثين ليلة ، وأتمّها الله بعشر. فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل! إنّ الغنيمة لا تحلّ لكم ، وإنّ حليّ القبط إنّما هو غنيمة ، فاجمعوها جميعا ، واحفروا لها حفرة فادفنوها ، فإن جاء موسى فأحلّها أخذتموها! وإلّا كان شيئا لم تأكلوه. فجمعوا ذلك الحليّ في تلك الحفرة ، وجاء السامريّ بتلك القبضة ، فقذفها ، فأخرج الله من الحليّ عجلا جسدا له خوار. وعدّت بنو إسرائيل موعد موسى ، فعدّوا الليلة يوما واليوم يوما ، فلمّا كان تمام العشرين خرج لهم العجل ؛ فلمّا رأوه قال لهم السامريّ : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ)(١) يقول : ترك موسى إلهه هاهنا وذهب يطلبه. فعكفوا عليه يعبدونه. وكان يخور ويمشي! فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل (إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ)(٢) يقول : إنّما ابتليتم به ـ يقول : بالعجلّ ـ وإنّ ربّكم الرحمان. فأقام هارون ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم. وانطلق موسى إلى إلهه يكلّمه ، فلمّا كلّمه قال له : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى. قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى. قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ)(٣) فأخبره خبرهم. قال موسى : يا ربّ هذا السامريّ أمرهم أن يتّخذوا العجل ، أرأيت الروح من نفخها فيه؟ قال الربّ : أنا. قال : ربّ أنت إذن أضللتهم (!!) (٤).
[٢ / ١٨٣٣] وعن ابن عبّاس ، قال : لمّا هجم فرعون على البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان ؛ فلمّا هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر ، فتمثّل له جبريل على فرس أنثى وديق ، فلمّا رآها الحصان تقحّم خلفها. قال : وعرف السامريّ جبريل ، لأنّ أمّه حين خافت أن يذبح ، خلّفته في غار ، وأطبقت عليه ، فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه ، فيجد في بعض أصابعه لبنا ، وفي الأخرى عسلا ، وفي الأخرى سمنا. فلم يزل يغذوه حتّى نشأ ، فلمّا عاينه في البحر عرفه ، فقبض قبضة من أثر فرسه. قال : أخذ من تحت الحافر قبضة. قال سفيان : فكان ابن مسعود يقرأها : «فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول». قال أبو سعيد ، قال عكرمة ، عن ابن عبّاس :
__________________
(١) طه ٢٠ : ٨٨.
(٢) طه ٢٠ : ٩٠.
(٣) طه ٢٠ : ٨٣ ـ ٨٥.
(٤) الطبري ١ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ / ٧٧٣ ؛ البغوي ١ : ١١٧.