وألقي في روع (١) السامريّ أنّك لا تلقيها على شيء فتقول كن كذا وكذا إلّا كان. فلم تزل القبضة معه في يده حتّى جاوز البحر. فلمّا جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر ، وأغرق الله آل فرعون ، قال موسى لأخيه هارون : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ)(٢) ومضى موسى لموعد ربّه. قال : وكان مع بني إسرائيل حليّ من حليّ آل فرعون قد تعوّروه (٣) ، فكأنّهم تأثّموا منه ، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله ، فلمّا جمعوه ، قال السامريّ بالقبضة (٤) التي كانت في يده هكذا ، فقذفها فيه ـ وأومأ ابن إسحاق بيده هكذا ـ وقال : كن عجلا جسدا له خوار! فصار عجلا جسدا له خوار. وكان يدخل الريح في دبره ويخرج من فيه يسمع له صوت ، فقال : هذا إلهكم وإله موسى. فعكفوا على العجل يعبدونه ، فقال هارون : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)(٥). (٦)
[٢ / ١٨٣٤] وعن ابن إسحاق ، قال : كان فيما ذكر لي أنّ موسى قال لبني إسرائيل فيما أمره الله عزوجل به : استعيروا منهم ـ يعني من آل فرعون ـ الأمتعة والحليّ والثياب ، فإنّي منفّلكم (٧) أموالهم مع هلاكهم. فلمّا أذن فرعون في الناس ، كان ممّا يحرّض به على بني إسرائيل أن قال ـ حين سار ـ : ولم يرضوا أن يخرجوا بأنفسهم حتّى ذهبوا بأموالكم معهم. (٨)
[٢ / ١٨٣٥] وقال الحسن : صار العجل لحما ودما. وقال غيره : لا يجوز ذلك لأنّه من معجزات الأنبياء. ومن وافق الحسن قال : إنّ القبضة من أثر الملك كان الله قد أجرى العادة بأنّها إذا طرحت على أيّ صورة كانت حييت ، فليس ذلك بمعجزة ، إذ سبيل السامريّ فيه سبيل غيره.
ومن لم يجز انقلابه حيّا ، تأوّل الخوار على أنّ السامريّ صاغ عجلا ، وجعل فيه خروقا يدخلها الريح ، فيخرج منها صوت كالخوار ، ودعاهم إلى عبادته فأجابوه وعبدوه ، عن أبي عليّ الجبّائي (٩).
[٢ / ١٨٣٦] وقال قتادة : كان السامريّ من بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة (١٠)! ورأى موضع
__________________
(١) الروع : القلب والعقل.
(٢) الأعراف ٧ : ١٤٣.
(٣) تعوّروه : أخذوه عارية.
(٤) قال بالقبضة : أي أشار.
(٥) طه ٢٠ : ٩٠ ـ ٩١.
(٦) الطبري ١ : ٤٠١ ـ ٤٠٢ / ٧٧٢.
(٧) نفّله الشيء : جعله نفلا ، أي غنيمة مستباحة.
(٨) الطبري ١ : ٤٠٣ / ٧٧٤.
(٩) مجمع البيان ١ : ٢١٣ ؛ التبيان ١ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨.
(١٠) معرّب شمرون حسبما يأتى الكلام عنه.