قدم الفرس تخضرّ من ذلك ، وكان منافقا أظهر الإسلام ، وكان من قوم يعبدون البقر ، فلمّا رأى جبريل على ذلك الفرس ، فقال : إنّ لهذا لشأنا وأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبريل عليهالسلام ، قال عكرمة : ألقي في روعه أنّه إذا ألقي في شيء غيره حيي ، وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حليّا كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر لعلّة عرس لهم فأهلك الله فرعون وبقيت تلك الحليّ في أيدي بني إسرائيل ، فلمّا فصل موسى قال هارون لبني إسرائيل : إنّ الحليّ التي استعرتموها من قوم فرعون غنيمة لا تحلّ لكم فاحفروا حفرة وادفنوها فيها حتّى يرجع موسى ، فيرى فيها رأيه (١).
[٢ / ١٨٣٧] وعن ابن عبّاس ، قال : كان السامريّ رجلا من أهل باجرما (٢) ، وكان من قوم يعبدون البقر ، وكان حبّ عبادة البقر في نفسه ، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل. فلمّا فضّل هارون في بني إسرائيل وفصل موسى إلى ربّه ، قال لهم هارون : أنتم قد حمّلتم أوزارا من زينة القوم ـ آل فرعون ـ وأمتعة وحليّا ، فتطهّروا منها ، فإنّها نجس. وأوقد لهم نارا ، فقال : اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها! قالوا : نعم. فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الأمتعة وذلك الحليّ ، فيقذفون به فيها ، حتّى إذا تكسر الحليّ فيها ، وكان قد رأى السامريّ أثر فرس جبريل وأخذ ترابا من أثر حافره ، ثمّ أقبل إلى النار فقال لهارون : يا نبيّ الله ألقي ما في يدي؟ قال : نعم. ولا يظنّ هارون إلّا أنّه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحليّ والأمتعة. فقذفه فيها فقال : كن عجلا جسدا له خوار! فكان! للبلاء والفتنة ، فقال : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى)(٣) فعكفوا عليه ، وأحبّوه حبّا لم يحبّوا مثله شيئا قطّ. يقول الله عزوجل : (فَنَسِيَ)(٤) أي ترك ما كان عليه من الإسلام ، يعني السامريّ ، (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً)(٥) وكان اسم السامريّ موسى بن ظفر! (٦) وقع في أرض مصر ، فدخل في بني إسرائيل. فلمّا رأى هارون ما وقعوا فيه قال : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)(٧) فأقام هارون فيمن معه
__________________
(١) البغوي ١ : ١١٦ ـ ١١٧.
(٢) قرية من أعمال البليغ قرب الرقّة من أرض الجزيرة شمالي العراق. وأين هذه من وادي سيناء؟!
(٣) طه ٢٠ : ٨٨.
(٤) طه ٢٠ : ٨٨.
(٥) طه ٢٠ : ٨٩.
(٦) قيل : كان اسمه ميخا. مجمع البيان ١ : ١٠٩ (ط إسلامية).
(٧) طه ٢٠ : ٩٠ ـ ٩١.