من المسلمين ممّن لم يفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل. وتخوّف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى : (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)(١). وكان له هائبا مطيعا (٢). قلت : لعلّك تجد من هذا التهافت والتناقض دليلا على الاختلاق ، فحسبك!
[٢ / ١٨٣٨] وعن مجاهد في قوله : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ) قال : العجل حسيل (٣) البقرة. قال : حليّ استعاروه من آل فرعون ، فقال لهم هارون : أخرجوه فتطهّروا منه وأحرقوه! وكان السامريّ قد أخذ قبضة من أثر فرس جبريل ، فطرحه فيه فانسبك ، وكان له كالجوف تهوي فيه الرياح (٤).
[٢ / ١٨٣٩] وعن ابن زيد : لمّا أنجى الله ـ عزوجل ـ بني إسرائيل من فرعون ، وأغرق فرعون ومن معه ، قال موسى لأخيه هارون : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(٥) قال : لمّا خرج موسى وأمر هارون بما أمره به ، وخرج موسى متعجّلا مسرورا إلى الله. قد عرف موسى أنّ المرء إذا نجح في حاجة سيّده كان يسرّه أن يتعجّل إليه. قال : وكان حين خرجوا استعاروا حليّا وثيابا من آل فرعون ، فقال لهم هارون : إنّ هذه الثياب والحليّ لا تحلّ لكم ، فاجمعوا نارا ، فألقوه فيها فأحرقوه! قال : فجمعوا نارا. قال : وكان السامريّ قد نظر إلى أثر دابّة جبريل ، وكان جبريل على فرس أنثى ، وكان السامريّ في قوم موسى. قال : فنظر إلى أثره فقبض منه قبضة ، فيبست عليها يده ؛ فلمّا ألقى قوم موسى الحليّ في النار ، وألقى السامريّ معهم القبضة ، صوّر الله ـ جلّ وعزّ ـ ذلك لهم عجلا ذهبا ، فدخلته الريح ، فكان له خوار ، فقالوا : ما هذا؟ فقال : السامريّ الخبيث : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ ...) الآية ، إلى قوله : (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)(٦) قال : حتّى إذا أتى موسى الموعد ، قال الله : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى. قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) فقرأ حتّى بلغ : (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ)(٧). (٨).
__________________
(١) طه ٢٠ : ٩٤.
(٢) الطبري ١ : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ / ٧٧٥ ؛ مجمع البيان ١ : ٢١٣ ، بتفاوت إلى قوله : فدخل في بني إسرائيل ؛ التبيان ١ : ٢٣٧ ، بتفاوت ، إلى قوله : يقول الله عزوجل فَنَسِيَ.
(٣) حسيل البقرة : ولدها.
(٤) الطبري ١ : ٤٠٥ / ٧٧٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٠٨ / ٥١٣ و ٥٢٤. وفيه : «العجل حسيل البقرة ـ ولد البقرة ـ».
(٥) الأعراف ٧ : ١٤٢.
(٦) طه ٢٠ : ٨٨ ـ ٩١.
(٧) طه ٢٠ : ٨٤ ـ ٨٦.
(٨) الطبري ١ : ٤٠٤ ـ ٤٠٥ / ٧٧٦.