قلت : المستفاد من «لعلّ» بالنظر إلى مواقع استعمالها في اللغة وفي القرآن بالذات ، أنّها تتوسط بين أمرين يكون المقدّم منهما سببا اقتضائيّا لوقوع التالي ، وليس علّة تامّة. وهذا لا يختلف فيما إذا كان المستعمل عالما بالوقوع أو راجيا له.
فقولك : أسلم لعلّك تفلح ، يفيد أنّ الإسلام سبب للفلاح أي أرضيّة صالحة لحصول الفلاح ، لو لا المانع وسائر العراقيل ، لا أنّه السبب الحتم والعلّة التامّة للفلاح.
وهذا لا يفترق بين أن يكون القائل بهذا الكلام آحاد الناس أو العلماء أو الأنبياء ، أو الله سبحانه وتعالى. إذ هذا الكلام إنّما ألقي لبيان هذه العلاقة (السببيّة غير التامّة) بين المقدّم والتالي. ولا ربط له بشخصيّة قائله ، سواء العالم بعواقب الأمور أم الجاهل بها.
وهكذا ورد قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(١) دليلا على أنّ الغاية من تبيين الآيات هداية الناس ، وأنّه السبب المقتضي لهدايتهم إن استحبّوا الهدى على العمى ، لا الذي أعرض وتولّى.
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «قولوا : لا إله إلّا الله تفلحوا» بيان للسبب المقتضي للفلاح ، وهو نبذ الشرك والأخذ بالتوحيد ، لكن بشرط الاستقامة عليه حتّى النهاية : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ، ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ)(٢).
فقولهم : «لعلّ» للترجّي. أي تستعمل في مواضع يكون ترتّب التالي على المقدّم ، ممّا يترجّى ويتوقّع ، لا بلحاظ حال المتكلّم ، بل بلحاظ الموقعيّة الخاصّة للكلام.
وفي كثير من الروايات : أنّ «لعلّ» من الله واجبة :
[٢ / ١٨٤٥] روى ابن أبي حاتم بإسناده عن عون بن عبد الله. قال في قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) : لعلّ من الله واجبة. وهكذا قال سفيان (٣). وهكذا غيرها من روايات.
والمراد : أنّ اقتضاء المقدّم للتالي ـ حيث وقع في كلامه تعالى ـ أمر حتم ، حيث تواجدت سائر شرائطه. لأنّه منه تعالى وعد ، والله لا يخلف الميعاد.
__________________
(١) آل عمران ٣ : ١٠٣.
(٢) فصّلت ٤١ : ٣٠.
(٣) ابن أبي حاتم ١ : ١١٣.