والانبساط الحاصل للنفس بسبب النعمة التي أنعم الله عليه تفضّلا وتكريما لجانبه .. وليكن هذا الفرح والانبساط ناشئا من جهة أنّه تعالى تكرّم عليه وخصّه بالعناية والإفضال ، لا لمجرّد النعمة والإحسان عليه محضا. إذ يكون ارتياح نفس المؤمن منبعثا عن شعوره بتلك العناية الإلهيّة الخاصّة بعباده المخلصين وقد شملته وهذا هو الفوز العظيم .. أمّا الارتياح الحاصل من جهة ذات النعمة الموجبة لرفاه الحال ، فهذا مشترك بين المؤمن وغيره ، ولا يدخل في باب الشكر ، ما لم يكن ماسّا بالذي أنعم عليه ، ومقرّبا لديه.
ومن ثمّ قال الشبلي : الشكر رؤية المنعم لا رؤية النعمة (١).
وقال الخوّاص (٢) : شكر العامّة على المطعم والملبس والمشرب ، وشكر الخاصّة على واردات القلوب (٣). وقال بعضهم : الشكر أن لا يرى النعمة البتة بل يرى المنعم (٤).
والأصل الثالث ، وهو العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم ، إنّما يتعلّق بالقلب وباللّسان وبالجوارح.
أمّا بالقلب فهو نيّة الخير وإضماره لكافّة الخلق ، وأن لا ينوي الشرّ لأحد من الخلائق إطلاقا.
وأمّا باللّسان فإظهار الشكر لله تعالى بالتحميدات الدالّة عليه ، ومنه التحدّث بنعمه تعالى عليه لا فخرا ومباهاة ، بل تواضعا واستكانة لله تعالى حيث فضله ورحمته على العباد ، وأنّ عنايته شاملة ، (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(٥).
[٢ / ١٨٩١] قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليهالسلام : «في قوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(٦) معناه : فحدّث بما أعطاك الله وفضّلك ورزقك وأحسن إليك وهداك» (٧).
قال الطبرسي : التحدّث بنعمة الله شكر وتركه كفر (٨).
__________________
(١) إحياء العلوم ٤ : ٨١.
(٢) بفتح الخاء وتشديد الواو : اسم لمن ينسج بالخوص ـ وهو سعف النخل ـ المراوح ونحوها. والمشهور بهذه النسبة سلم بن ميمون الخوّاص ، من عبّاد أهل الشام وقرّائهم. (الأنساب للسمعاني ٢ : ٤١١).
(٣) المصدر.
(٤) الثعلبي ١ : ١٩٦.
(٥) إحياء العلوم ٤ : ٨٢.
(٦) الضحى ٩٣ : ١١.
(٧) مجمع البيان ١٠ : ٥٠٧.
(٨) المصدر.