هو بمنزلة الطب والنجوم والفلسفة وسر كل صناعة فمعرفته به جائزة غير واجبة وقال الله تعالى (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ ص رَأَى النَّاسَ يُؤَبِّرُونَ النَّخْلَ فَقَالَ مَا أَظُنُّ هَذَا نَافِعَكُمْ فَتَرَكُوا تَأْبِيرَهُ فَلَمْ تُثْمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَقَالَ اسْتَعِينُوا عَلَى كُلِّ صَنْعَةٍ بِأَهْلِهَا. ولو كان عالما بكل معلوم لما قال (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) مع قولهإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً. وإذا لم يكن واجبا ولا مستحيلا فهو من باب الجائز ولا يعلم إلا بالسمع فيجوز أن الله تعالى عرفه ذلك ويجوز أن يلهمه وقت الحاجة فهم ما يسمعه منها ولا نعلم هل فعل معه ذلك أم لا.
قوله سبحانه :
(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) وقوله (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) لا يجوز أن النبي كان شاعرا إلا أنه كان عالما بمعاني الشعر ومقاصد الشعراء وَأُنْشِدَ عِنْدَهُ قَفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلٍ فَقَالَ ص وَقَفَ وَاسْتَوْقَفَ وَبَكَى وَأَبْكَى وَذَكَرَ الْحَبِيبَ وَالْمَنْزِلَ فِي نِصْفِ بَيْتٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ فَدَيْنَاكَ أَنْتَ فِي هَذَا النَّقْدِ أَشْعَرُ مِنْهُ وَكَانَ ص يَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ طَرَفَةَ :
سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً |
|
وَيَأْتِيكَ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ بِالْأَخْبَارِ |
وَيَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ سُحَيْمٍ كَفَى الْإِسْلَامُ وَالشَّيْبُ لِلْمَرْءِ نَاهِياً فَجَعَلَ يُقَدِّمُ وَيُؤَخِّرُ. والشعر إنما يكون على وجوه مخصوصة وأما ما رُوِيَ وَاللهِ لَوْ لَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا. وما رُوِيَ لَا هَمَّ لِلْعَيْشِ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ. وما رُوِيَ أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ. ونحوها فإن كلها رجز والرجز لا يعد شعرا ولأن كل ما يوردونه من هذا الجنس لا يكون بيتا إلا بزيادة ونقصان أو تغيير فخرج حينئذ من صيغة الشعر مع أن كلها أخبار آحاد وأما الآيات الواردة في القرآن مثل قوله (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) وقوله (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) وقوله (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) وقوله (وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) وغير ذلك من الآيات الموزونات إنما تصير أبياتا بزيادة أو حذف أو تسكين لا يبيحه الشرع.
قوله سبحانه :
(وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) وقوله (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) وقوله (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) ونحوها آيات موزونات إذا غيرت عن حالاتها وذلك لا يجوز أصلا.