وإذا كان الهجاء أوّل سورة فكان حرفا واحدا ؛ مثل قوله (ص) و (ن) و (ق) كان فيه وجهان فى العربية ؛ إن نويت به الهجاء تركته جزما وكتبته حرفا واحدا ، وإن جعلته اسما للسورة أو فى مذهب قسم كتبته على هجائه «نون» و «صاد» و «قاف» وكسرت الدال من صاد ، والفاء من قاف ، ونصبت النون الآخرة من «نون» فقلت : «نون والقلم» و «صاد والقرآن» و «قاف» لأنه قد صار كأنه أداة ؛ كما قالوا رجلان ، فخفضوا النون من رجلان لأن قبلها ألفا ، ونصبوا النون فى «المسلمون والمسلمين» لأن قبلها ياء وواوا. وكذلك فافعل ب (يس وَالْقُرْآنِ) فتنصب النون من (يس) وتجزمها. وكذلك (حم) و (طس) ولا يجوز ذلك فيما زاد على هذه الأحرف مثل «طا سين ميم» لأنها لا تشبه الأسماء ، و (طس) تشبه قابيل. ولا يجوز ذلك فى شىء من القرآن مثل (الم) و (المر) ونحوهما.
وقوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ ...) (٢)
يصلح فيه (ذلِكَ) من جهتين ، وتصلح فيه «هذا» من جهة ؛ فأما أحد الوجهين من (ذلِكَ) فعلى معنى : هذه الحروف يا أحمد (١) ، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك. والآخر أن يكون (ذلِكَ) على معنى يصلح فيه «هذا» ؛ لأن قوله «هذا» و (ذلِكَ) يصلحان فى كل كلام إذا ذكر ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه. ألا ترى أنك تقول : قد قدم فلان ؛ فيقول السامع : قد بلغنا ذلك ، وقد بلغنا هذا الخبر ، فصلحت فيه «هذا» ؛ لأنه قد قرب من جوابه ، فصار كالحاضر الذي تشير إليه ، وصلحت فيه (ذلِكَ) لانقضائه ، والمنقضى كالغائب. ولو كان شيئا قائما يرى لم يجز مكان (ذلِكَ) «هذا» ،
__________________
(١) فى ج ، ش «محمد».