فإن قلت : فقد قال فى سورة الأنفال : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) (١) فكيف كان هذا هاهنا تقليلا ، وفى الآية الأولى تكثيرا؟ قلت : هذه آية المسلمين أخبرهم بها ، وتلك الآية لأهل الكفر. مع أنك تقول فى الكلام : إنى لأرى كثيركم قليلا ، أي قد هوّن علىّ ، لا أنى أرى الثلاثة اثنين.
ومن قرأ (ترونهم) ذهب إلى اليهود لأنه خاطبهم ، ومن قال (يرونهم) فعلى ذلك ؛ كما قال : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) (٢) وإن شئت جعلت (يرونهم) للمسلمين دون اليهود.
وقوله : (وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ ...) (١٤)
واحد القناطير قنطار. ويقال إنه ملء مسك ثور ذهبا أو فضّة ، ويجوز (القناطير) (٣) فى الكلام ، والقناطير ثلاثة ، والمقنطرة تسعة (٤). كذلك سمعت ، وهو المضاعف.
وقوله : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ ...) (١٥)
ثم قال (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ) فرفع الجنات باللام (٥). ولم يجز ردّها على أوّل الكلام ؛ لأنك حلت بينهما باللام ، فلم يضمر خافض وقد حالت اللام
__________________
(١) آية ٤٤
(٢) آية ٢٢ سورة يونس. وتضرب الآية مثلا لما يسمونه الالتفات وهو الانتقال من الخطاب إلى الغيبة ، وما جرى هذا المجرى. وهو من تلوين الخطاب.
(٣) أي بالرفع عطفا على (حُبُّ الشَّهَواتِ) وقوله : «فى الكلام» أي فى غير القرآن إذ لم ترد بهذا القراءة. هذا والأقرب أن الأصل : «ويجوز القناطر فى الكلام» أي أنه يجوز حذف الياء فى الجمع فيقال القناطر. وهذا رأى الكوفيين : يجوز أن يقال فى العصافير العصافر.
(٤) يرى الفرّاء أن معنى «القناطر المقنطرة» : القناطير التي بلغت أضعافها أي بلغت ثلاثة أمثالها. وأقلّ القناطير ثلاثة ، فثلاثة أمثالها تسعة. وفى القرطبي ٤ / ٣١ : «وروى عن الفرّاء أنه قال : القناطير جمع القنطار ، والمقنطرة جمع الجمع فيكون تسع قناطير».
(٥) يريد أن «جنات» مبتدأ خبره (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) والمبتدأ والخبر عندهم يترافعان ، فرافع المبتدأ هو الخبر.