المعنى : لمية طلل موحش ، فصلح رفعه لأنه أتبع الطلل ، فلمّا قدّم لم يجز أن يتبع الطلل وهو قبله. وقد يجوز رفعه على أن تجعله كالاسم يكون الطلل ترجمة عنه ؛ كما تقول : عندى خراسانيّة جارية ، والوجه النصب فى خراسانية. ومن العرب من يرفع ما تقدّم فى إلّا على هذا التفسير. قال : وأنشدونا :
بالثنى أسفل من جمّاء ليس له |
|
إلّا بنيه وإلا عرسه شيع (١) |
وينشد : إلا بنوه وإلّا عرسه. وأنشد أبو ثروان :
ما كان منذ تركنا أهل أسنمة |
|
إلا الوجيف لها رعى ولا علف (٢) |
ورفع غيره. وقال ذو الرّمة :
مقزّع أطلس الأطمار ليس له |
|
إلا الضراء وإلا صيدها نشب (٣) |
ورفعه على أنه بنى كلامه على : ليس له إلا الضراء وإلا صيدها ، ثم ذكر فى آخر الكلام (نشب) ويبيّنه أن تجعل موضعه فى أوّل الكلام.
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً) وفى قراءة أبىّ كأيّن من فئة قليلة غلبت وهما لغتان. وكذلك (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ) (٤) هى لغات كلّها معناهنّ معنى كم. فإذا ألقيت (من) كان فى الاسم النكرة النصب والخفض. من ذلك قول العرب : كم رجل كريم قد رأيت ، وكم جيشا جرّارا قد هزمت. فهذان وجهان ، ينصبان ويخفضان والفعل فى المعنى واقع. فإن كان الفعل ليس بواقع وكان للاسم جاز النصب أيضا
__________________
(١) الثنى : منعطف الوادي ومنقطعه. وجماء موضع. والبيت فى وصف أسد من قصيدة طويلة لأبى زبيد الطائىّ مدونة فى الطرائف الأدبية للأستاذ عبد العزيز الميمنى ٩٨.
(٢) من قصيدة لجرير يمدح فيها يزيد بن عبد الملك ويهجو آل المهلب. و (أسنمة) موضع فى بلاد تميم. والرعي : الكلأ يرعى.
(٣) من قصيدة التي أوّلها :
ما بال عينك منها الماء ينسكب |
|
كأنه من كلى مفرية سرب |
وهو فى وصف صائد. والمقزع : الخفيف الشعر. وأطلس : أغبر. والأطمار واحدها الطمر ، وهو الثوب الخلق. والضراء واحدها ضرو ، وهو الكلب الضارى ، يريد كلاب الصيد ، والنشب : المال.
(٤) آية ١٤٦ سورة آل عمران.