فكانتا كالاسمين فهما منصوبتان. ولو خفضتا على أنهما أخرجنا من نيّة الفعل كان صوابا ؛ سمعت العرب تقول : من شبّ إلى دبّ بالفتح ، ومن شبّ إلى دبّ ؛ يقول (١) : مذ كان صغيرا إلى أن دبّ ، وهو فعل.
وقوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) (٥٤)
يعنى الرؤساء من المشركين ، أسرّوها من سفلتهم الذين أضلّوهم ، فأسرّوها أي أخفوها.
وقوله : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (٥٨)
هذه قراءة العامة. وقد ذكر عن زيد (٢) بن ثابت أنه قرأ (فيذلك فلتفرحوا) أي يا أصحاب محمد ، بالتاء.
وقوله : (هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) : يجمع الكفار. وقوّى قول زيد أنها فى قراءة أبىّ (فبذلك فافرحوا) وهو (٣) البناء الذي خلق للأمر إذا واجهت به أو لم تواجه ؛ إلا أن العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجه لكثرة الأمر خاصّة فى كلامهم ؛ فحذفوا اللام كما حذفوا التاء من الفعل. وأنت تعلم أن الجازم أو الناصب لا يقعان إلا على الفعل الذي أوّله الياء والتاء والنون والألف. فلما حذفت التاء ذهبت باللام وأحدثت الألف (٤) فى قولك : اضرب وافرح ؛ لأن الضاد ساكنة فلم يستقم أن يستأنف بحرف ساكن ، فأدخلوا ألفا خفيفة يقع بها الابتداء ؛ كما قال : (ادّاركوا). (واثّاقلتم). وكان الكسائىّ يعيب قولهم (فلتفرحوا) لأنه وجده
__________________
(١) كذا فى ش ، ح. وفى ا : «يريد».
(٢) وهى قراءة رويس عن يعقوب.
(٣) أي الأمر باللام كما جاء فى قراءة زيد.
(٤) يريد همزة الوصل.