ولم يقل : أم غىّ ، ولا : أم لا ؛ لأن الكلام معروف المعنى. وقال الآخر :
أراك فلا أدرى أهمّ هممته |
|
وذو الهمّ قدما خاشع متضائل |
وقال الآخر (١) :
وما أدرى إذا يمّمت وجها |
|
أريد الخير أيّهما يلينى |
أالخير الذي أنا أبتغيه |
|
أم الشرّ الذي لا يأتلينى |
ومنه قول الله تبارك وتعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) (٢) ولم يذكر الذي هو ضدّه ؛ لأنّ قوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٣) دليل على ما أضمر من ذلك.
وقوله : (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) السجود فى هذا الموضع اسم للصلاة لا للسجود ؛ لأن التلاوة لا تكون فى السجود ولا فى الركوع.
وقوله تعالى : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (١١٨)
وفى قراءة عبد الله «وقد بدا البغضاء من أفواههم» ذكّر لأنّ البغضاء مصدر ، والمصدر إذا كان مؤنّثا جاز تذكير فعله إذا تقدّم ؛ مثل (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) (٤) و (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (٥) وأشباه ذلك.
وقوله : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ) (١١٩)
العرب إذا جاءت إلى اسم مكنىّ قد وصف بهذا وهاذان وهؤلاء فرّقوا بين (ها) وبين (ذا) وجعلوا المكنى بينهما ، وذلك فى جهة التقريب (٦) لا فى غيرها ،
__________________
(١) هو المثقب العبدىّ. وانظر الخزانة ٤ / ٤٢٩ ، وشرح ابن الأنبارى للمفضليات ٥٧٤.
(٢) آية ٩ سورة الزمر.
(٣) الآية السابقة.
(٤) آية ٦٧ سورة هود.
(٥) آية ١٥٧ سورة الأنعام.
(٦) يراد بالتقريب أن يكون محط الخبر هو مفيد الحدث من فعل أو وصف. ففى قولك هأنت ذا تغضب تقريب. والتقريب عندهم مما يكون فيه رفع ونصب ككان الناقصة. وانظر ص ١٢ من هذا الجزء.