واعكمنى وأعكمنى (١) ؛ فقوله : احلبنى يريد : احلب لى ؛ أي اكفنى الحلب ، وأحلبنى : أعنّى عليه ، وبقيته على مثل هذا.
وقوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ...) (١٠٣)
الكلام العربىّ هكذا بالباء ، وربما طرحت العرب الباء فقالوا : اعتصمت بك واعتصمتك ؛ قال بعضهم :
إذا أنت جازيت الإخاء بمثله |
|
وآسيتنى ثم اعتصمت حباليا |
فألقى الباء. وهو كقولك : تعلّقت زيدا ، وتعلقت بزيد. وأنشد بعضهم :
تعلّقت هندا ناشئا ذات مئزر |
|
وأنت وقد قارفت (٢) لم تدر ما الحلم |
وقوله : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ...) (١٠٦)
لم يذكّر الفعل أحد من القرّاء كما قيل (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) (٣) وقوله (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) (٤) وإنما سهل التذكير فى هذين لأن معهما جحدا ، والمعنى فيه : لا يحلّ لك أحد من النساء ، ولن ينال الله شىء من لحومها ، فذهب بالتذكير إلى المعنى ، والوجوه ليس ذلك فيها ، ولو ذكّر فعل الوجوه كما تقول : قام القوم لجاز ذلك.
وقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) يقال : (أمّا) لا بدّ لها من الفاء جوابا فأين هى؟ فيقال : إنها كانت مع قول مضمر ، فلمّا سقط القول سقطت الفاء معه ، والمعنى ـ والله أعلم ـ فأمّا الذين اسودّت وجوههم فيقال : أكفرتم ،
__________________
(١) العكم : شدّ المتاع بثوب. فمعنى اعكمنى : شدّ لى المتاع ، ومعنى أعكمنى : أعنّى على العكم.
(٢) «ناشئا» هو حال من «هندا» وتراه من غير علم التأنيث. والناشئ : الذي جاوز حدّ الصغر. وقوله : «وقد قارفت» حال مقدّمة ، والأصل : وأنت لم تدر ما الحلم وقد قارفت أي قاربت الحلم. يقال : قارف الشيء : قاربه.
(٣) آية ٣٧ سورة الحج.
(٤) آية ٥٢ سورة الأحزاب.