وقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) (٢٤٥)
تقرأ بالرفع والنصب. فمن رفع جعل الفاء منسوقة على صلة (الذي) ، ومن نصب أخرجها من الصلة وجعلها جوابا ل (من) ؛ لأنها استفهام ، والذي فى الحديد (١) مثلها.
وقوله : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ ...) (٢٤٦)
(نقاتل) مجزومة لا يجوز رفعها. فإن قرئت بالياء «يقاتل» جاز رفعها وجزمها. فأمّا الجزم فعلى المجازاة بالأمر ، وأمّا الرفع فأن تجعل (يقاتل) صلة للملك ؛ كأنك قلت : ابعث لنا الذي يقاتل.
فإذا رأيت بعد الأمر اسما نكرة بعده فعل يرجع بذكره أو يصلح فى ذلك الفعل إضمار الاسم ، جاز فيه الرفع والجزم ؛ تقول فى الكلام : علّمنى علما أنتفع به ، كأنك قلت : علمنى الذي أنتفع به ، وإن جزمت (أنتفع) على أن تجعلها شرطا للأمر وكأنك لم تذكر العلم جاز ذلك. فإن ألقيت «به» لم يكن إلا جزما ؛ لأن الضمير لا يجوز فى (انتفع) ؛ ألا ترى أنك لا تقول : علّمنى علما انتفعه.
فإن قلت : فهلّا رفعت وأنت تريد إضمار (به)؟
قلت : لا يجوز إضمار حرفين ، فلذلك لم يجز فى قوله (نقاتل) إلا الجزم. ومثله (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) (٢) لا يجوز إلا الجزم لأن (يَخْلُ) لم يعد بذكر الأرض. ولو كان «أرضا تخل لكم» جاز الرفع والجزم ؛ كما قال : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) (٣) ، وكما قال الله تبارك وتعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ
__________________
(١) آية ١١
(٢) آية ٩ سورة يوسف.
(٣) آية ١٢٩ سورة البقرة.