وقوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ ...) (٨٩)
[إن شئت] رفعت المصدّق ونويت أن يكون نعتا للكتاب لأنّه نكرة ، ولو نصبته على أن تجعل المصدّق فعلا للكتاب لكان صوابا (١). وفى قراءة عبد الله فى آل عمران : «ثمّ جاءكم رسول مصدّقا» (٢) فجعله فعلا. وإذا كانت النكرة قد وصلت بشىء سوى نعتها ثم جاء النّعت ، فالنّصب على الفعل أمكن منه إذا كانت نكرة غير موصولة ، وذلك لأنّ صلة النكرة تصير كالموقّتة لها ، ألا ترى أنك إذا قلت : مررت برجل فى دارك ، أو بعبد لك فى دارك ، فكأنّك قلت : بعبدك أو بساس دابّتك ، فقس على هذا ؛ وقد قال بعض الشعراء :
لو كان حىّ ناجيا لنجا |
|
من يومه المزلّم الأعصم (٣) |
فنصب ولم يصل النّكرة بشىء وهو جائز. فأما قوله : (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) (٤) فإنّ نصب اللّسان على وجهين ؛ أحدهما أن تضمر شيئا يقع عليه المصدّق ، كأنك قلت : وهذا يصدّق التوراة والإنجيل (لِساناً عَرَبِيًّا) (لأنّ التوراة والإنجيل لم يكونا عربيّين) (٥) فصار اللسان العربىّ (٦) مفسّرا. وأما الوجه الآخر فعلى ما فسّرت (٧)
__________________
(١) يريد المؤلف أنه حال من كتاب ، وجاز ذلك لأنه قد تخصص بالوصف فقرب من المعرفة.
وفى ج ، ش : «لأنه نعت للكتاب وهما جميعا نكرتان كان صوابا».
(٢) «مصدقا» بالنصب قراءة شاذة ، وحسن نصبه على الحال من النكرة كونها فى قوّة المعرفة من حيث أريد بها شخص معين ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم.
(٣) البيت من قصيدة طويلة للمرقش الأكبر ، وهو عوف بن سعد بن مالك شاعر جاهلى قالها فى مرثية عم له. والمزلم : الوعل ، وزلمتا العنز زنمتاها ، والزلمة تكون للمعز فى حلوقها متعلقة كالقرط ، وإن كانت فى الأذن فهى زنمة. والأعصم من الظباء والوعول ما فى ذراعيه أو فى أحدهما بياض.
(٤) آية ١٢ سورة الأحقاف.
(٥) فى أ : «لأن التوراة لم تكن عربية ، ولا الإنجيل».
(٦) سقط فى أ.
(٧) فى ج. وش : «وصفت».