وقوله : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) (٥٥)
يقال : إن هذا مقدّم ومؤخّر. والمعنى فيه : إنى رافعك إلىّ ومطهّرك من الذين كفروا ومتوفّيك بعد إنزالى إيّاك فى الدنيا. فهذا وجه.
وقد يكون الكلام غير مقدّم ولا مؤخّر ؛ فيكون معنى متوفّيك : قابضك ؛ كما تقول : توفيت مالى من فلان : قبضته من فلان. فيكون التوفّى على أخذه ورفعه إليه من غير موت.
وقوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) (٥٩)
هذا لقول (١) النصارى إنه ابنه ؛ إذ لم يكن أب ، فأنزل الله تبارك وتعالى علوّا كبيرا (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) لا أب له ولا أم ، فهو أعجب أمرا من عيسى ، ثم قال : (خَلَقَهُ) لا أن قوله (خَلَقَهُ) صلة لآدم ؛ إنما تكون الصلات للنكرات ؛ كقولك : رجل خلقه من تراب ، وإنما فسّر أمر آدم حين ضرب به المثل فقال (خَلَقَهُ) على الانقطاع والتفسير ، ومثله قوله (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ) (٢) ثم قال (يَحْمِلُ أَسْفاراً) والأسفار : كتب العلم يحملها ولا يدرى ما فيها. وإن شئت جعلت (يَحْمِلُ) صلة للحمار ، كأنك قلت : كمثل حمار يحمل أسفارا ؛ لأن ما فيه الألف واللام قد يوصل فيقال (٣) : لا أمر إلا بالرجل يقول ذلك ، كقولك بالذي يقول ذلك. ولا يجوز فى زيد ولا عمرو أن يوصل كما يوصل الحرف فيه الألف واللام.
__________________
(١) أي ردّ لقولهم.
(٢) آية ٥ سورة الجمعة.
(٣) هذا على رأى الكوفيين. والبصريون يجعلون الجملة فى مثل هذا إذا أريد الجنس صفة ، لا صلة.