وقوله : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً ...) (٦٠)
نصبت (مثوبة) لأنها مفسّرة كقوله (أنا (١) أكثر منك مالا وأعزّ نفرا).
وقوله (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) (من) فى موضع خفض تردّها على (بشرّ) وإن شئت استأنفتها فرفعتها ؛ كما قال : (قُلْ) (٢) (أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ولو نصبت (من) على قولك : أنبئكم (من) كما تقول : أنبأتك خيرا ، وأنبأتك زيدا قائما (٣) ، والوجه الخفض. وقوله (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) على قوله (٤) : «وجعل منهم القردة [والخنازير] (٥) ومن عبد الطاغوت» وهى فى قراءة أبىّ وعبد الله (وعبدوا) على الجمع ، وكان أصحاب عبد الله يقرأون «وعبد الطاغوت» على فعل ، ويضيفونها إلى الطاغوت (٦) ، ويفسّرونها : خدمة الطاغوت. فأراد قوم هذا المعنى ، فرفعوا العين فقالوا : عبد الطاغوت ؛ مثل (٧) ثمار وثمر ، يكون جمع جمع. ولو قرأ قارئ (وعبد الطاغوت) كان صوابا جيّدا. يريد عبدة الطاغوت فيحذف الهاء لمكان الإضافة ؛ كما قال الشاعر :
قام ولاها فسقوها صرخدا (٨)
يريد : ولاتها. وأما قوله (وعبد الطاغوت) فإن تكن (٩) فيه لغة مثل حذر وحذر وعجل فهو وجه ، وإلا فإنه أراد ـ والله أعلم ـ قول الشاعر (١٠) :
__________________
(١) آية ٣٤ سورة الكهف.
(٢) آية ٧٢ سورة الحجّ.
(٣) حذف الجواب ، أي لكان صوابا وهذا يتكرر منه.
(٤) أي على حذف «من» الموصولة المعطوفة على «القردة».
(٥) زيادة فى اللسان (عبد).
(٦) وهذه قراءة حمزة.
(٧) يريد أن عبدا جمع عباد الذي هو جمع عبد. وفى اللسان : «قال الزجاج : هو جمع عبيد كرغيف ورغف».
(٨) أراد بالصرخد الخمر. وصرخد فى الأصل موضع ينسب إليه الشراب.
(٩) كذا فى ج.
وفى ش : «لم تكن» وفى اللسان : «قال الفرّاء : ولا أعلم له وجها إلا أن يكون عبد بمنزلة حذر وعجل» والظاهر أن هذا حكاية عما هنا بالمعنى.
(١٠) هو أوس بن حجر ، كما فى اللسان.