ما أدّت «من» عنه من التأنيث والجمع وهو فى لفظ توحيد. ولا يجوز فى مثله من الكلام أن تقول : أنتم أفضل رجل ، ولا أنتما خير رجل ؛ لأن الرجل يثّنى ويجمع ويفرد [فيعرف (١)] واحده من جمعه ، والقائم قد يكون لشىء ولمن فيؤدّى عنهما وهو موحّد ؛ ألا ترى أنك قد تقول : الجيش مقبل والجند منهزم ، فتوحّد الفعل لتوحيده ، فإذا صرت إلى الأسماء قلت : الجيش رجال والجند رجال ؛ ففى هذا تبيان (٢) ؛ وقد قال الشاعر :
وإذا هم طعموا فألأم طاعم |
|
وإذا هم جاعوا فشرّ جياع (٣) |
فجمعه وتوحيده جائز حسن.
وقوله : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤٢)
إن شئت جعلت (وَتَكْتُمُوا) فى موضع جزم ؛ تريد به : ولا تلبسوا الحقّ بالباطل ولا تكتموا الحقّ ، فتلقى (لا) لمجيئها فى أوّل الكلام. وفى قراءة أبىّ : «ولا تكونوا أوّل كافر به وتشتروا بآياتى ثمنا قليلا» فهذا دليل على أنّ الجزم فى قوله : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ) مستقيم صواب ، ومثله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) (٤) وكذلك قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٥) وإن شئت جعلت هذه الأحرف المعطوفة بالواو نصبا على ما يقول النحويّون من الصّرف ؛ فإن قلت : وما الصّرف؟
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) راجع تفسير الطبري ج ١ ص ١٩٩ طبع بولاق فى هذا البيان فعبارته أوضح.
(٣) من ثلاثة أبيات فى نوادر أبى زيد ١٥٢ ، نسبها إلى رجل جاهلىّ.
(٤) آية ١٨٨ سورة البقرة.
(٥) آية ٢٧ سورة الأنفال.