وقوله : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ ...) (١١٢) يقول : إلا أن يعتصموا بحبل من الله ؛ فأضمر ذلك ، وقال الشاعر (١) :
رأتنى بحبليها فصدّت مخافة |
|
وفى الحبل روعاء الفؤاد فروق |
أراد : أقبلت بحبليها ، وقال الآخر (٢) :
حنتنى حانيات الدهر حتى |
|
كأنى خاتل أدنو لصيد |
قريب الخطو يحسب من رآنى |
|
ولست مقيّدا أنى بقيد |
يريد : مقيّدا بقيد.
وقوله : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ ...) (١١٣) ذكر أمّة ولم يذكر بعدها أخرى ، والكلام مبنىّ على أخرى يراد ؛ لأن سواء لا بدّ لها من اثنين فما زاد.
ورفع الأمة على وجهين ؛ أحدهما أنك تكرّه على سواء كأنك قلت : لا تستوى أمة صالحة وأخرى كافرة منها أمّة كذا وأمّة كذا ، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان فى الكلام دليل عليه ، قال الشاعر (٣) :
عصيت إليها القلب إنى لأمرها |
|
سميع فما أدرى أرشد طلابها |
__________________
(١) هو حميد بن ثور. والبيت من قصيدة له فى ديوانه المطبوع فى الدار ص ٣٥. وهو فى وصف ناقته. يقال ناقة روعاء الفؤاد : حديدته ذكيته. وفروق : خائفة : كأنه يريد أنه جاء بالحبال التي يشد بها عليها الرحل للسفر فارتاعت لما هى بسبيله من عناء السير.
(٢) هو أبو الطمحان القينى حنظلة بن الشرقىّ ، وكان من المعمرين. و «حابل» أي ينصب الحبالة للصيد. وهى آلة الصيد. والرواية المشهورة «خاتل» من الختل وهو المخادعة. وانظر اللسان (ختل) وكتاب المعمرين لأبى حاتم ٤٧.
(٣) هو أبو ذؤيب الهذلىّ. والرواية المعروفة : «عصانى إليها القلب». وانظر ديوان الهذليين (الدار) ١ / ٧٢.