وقال الآخر (١) :
الواردون وتيم فى ذرى سبأ |
|
قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس |
من قال : (ذرى) (٢) جعل سبأ جيلا ، ومن قال : (ذرى) أراد موضعا.
ويجوز فى الكلام أن تقول : ائتني برأس شاتين ، ورأس شاة. فإذا قلت :
برأس شاة فإنما أردت رأسى هذا الجنس ، وإذا قلت برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة ؛ قال الشاعر فى غير ذلك :
كأنه وجه تركيّين قد غضبا |
|
مستهدف لطعان غير تذبيب (٣) |
وقوله : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ...) (٤١)
إن شئت رفعت قوله «سمّاعون للكذب» بمن ولم تجعل (من) فى المعنى متصلة بما قبلها ، كما قال الله : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) (٤) وإن شئت كان
__________________
(١) هو جرير. وهو من قصيدة فى هجاء تيم بن قيس من بكر بن وائل. والرواية فى الديوان ٣٢٥ :
تدعوك تيم وتيم فى قرى سبأ |
|
قد عض أعناقهم جلد الجواميس |
(٢) الذرى ـ بالفتح ـ : الكنّ وما يستتر به. وتقول : أنا فى ذرى فلان أي فى ظله وحمايته ، فإذا أريد بسبأ القبيلة المعروفة قرئ «ذرى سبأ» بالفتح أي أن تيما يحتمون بسبأ ويمتنعون بها ، ولا عصمة لهم من أنفسهم. والذرى ـ بالضم ـ جمع الذروة. وذروة الشيء : أعلاه. وعلى هذه القراءة يكون سبأ اسما للمدينة المعروفة أي أن تيما فى أعالى هذه المدينة. وقد قرأ البغدادىّ «جبلا» واحد الجبال فضبط الأوّل بالضم والثاني بالفتح ، والأشبه بالصواب ما جرينا عليه من قراءته : «جيلا» بالجيم المكسورة والياء المثناة الساكنة. وانظر الخزانة ٣ / ٣٧١
(٣) هكذا أنشده الفرّاء «تذبيب» وتابعه ابن الشجري فى أماليه ١ / ١٢ ، وقال : «ذب فلان عن فلان : دفع عنه. وذبب فى الطعن والدفع إذا لم يبالغ فيهما» وهذا يوافق ما فى اللسان : «ويقال طعان غير تذبيب إذا بولغ فيه». وقال البغدادي فى الخزانة ٣ / ٣٧٢ : «والبيت الشاهد قافيته رائية لا بائية» وأورد البيت فيه «غير منجحر» فى مكان «غير تذبيب» وهو من قصيدة للفرزدق يهجو بها جريرا ، أوّلها :
ما تأمرون عباد الله أسألكم |
|
بشاعر حوله درجان مختمر |
(٤) آية ٣٢ سورة فاطر.