وقوله : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا ...) (٣٧)
من شدّد جعل زكرياء فى موضع نصب ؛ كقولك : ضمّنها زكرياء ، ومن خفّف الفاء جعل زكرياء فى موضع رفع. وفى زكريا ثلاث لغات : القصر فى ألفه ، فلا يستبين فيها رفع ولا نصب ولا خفض ، وتمدّ ألفه فتنصب وترفع بلا نون ؛ لأنه لا يجرى (١) ، وكثير من كلام العرب أن تحذف المدّة والياء (٢) الساكنة فيقال : هذا زكرىّ قد حاء فيجرى ؛ لأنه يشبه المنسوب من أسماء العرب.
وقوله : (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ...) (٣٨)
الذرّية جمع ، وقد تكون فى معنى واحد. فهذا من ذلك ؛ لأنه قد قال : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) (٣) ولم يقل أولياء. وإنما قيل «طيبة» ولم يقل طيبا لأن الطيبة أخرجت على لفظ الذرّية فأنث لتأنيثها ، ولو قيل ذرّية طيبا كان صوابا.
ومثله من كلام العرب قول الشاعر :
أبوك خليفة ولدته أخرى |
|
وأنت خليفة ذاك الكمال |
فقال (أخرى) لتأنيث اسم الخليفة ، والوجه أن تقول : ولده آخر. وقال آخر.
فما تزدرى من حيّة جبليّة |
|
سكات إذا ما عضّ ليس بأدردا (٤) |
__________________
(١) الإجراء فى اصطلاح الكوفيين الصرف.
(٢) لم تحذف الياء الساكنة فى الصورة التي أثبتها وفيها ياء مشدّدة تشبه ياء النسب. وقد اشتبه عليه الأمر بلغة رابعة ، وهى تخفيف الياء فيكون منقوصا ، ويقال : هذا زكر بتنوين الراء مكسورة. وانظر اللسان.
(٣) آية ٥ سورة مريم.
(٤) «جبلية» يقال للحية ابنة الجبل ، فلذلك قال : جبلية. و «سكات» : لا يشعر به الملسوع حتى يلسعه. وأدرد : صفة من الدرد ، وهو ذهاب الأسنان ، ومؤنثه درداء. وانظر اللسان فى (سكت).