قلت : هذا مجزوم بنيّة الأمر ؛ لأن أوّل الكلام نهى ، وقوله (ولكن) نسق وليست بجواب. فأراد : ولكن ليكن للخير فيك نصيب. ومثله قول الآخر :
من كان لا يزعم أنى شاعر |
|
فيدن منى تنهه المزاجر |
فجعل الفاء جوابا للجزاء ، وضمّن (فيدن) لاما يجزم [بها] (١). وقال الآخر :
فقلت ادعى وأدع فإنّ أندى |
|
لصوت أن ينادى داعيان (٢) |
أراد : ولأدع. وفى قوله (وأدع) طرف من الجزاء وإن كان أمرا قد نسق أوّله على آخره. وهو مثل قول الله عزوجل : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) (٣) والله أعلم. وأما قوله : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) (٤) فليس تأويل جزاء ، إنما هو أمر محض ؛ لأن إلقاء الواو وردّه إلى الجزاء (لا يحسن فليس إلى الجزاء) ؛ ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول ذرونى أقتله يدع ؛ كما حسن «اتّبعوا سبيلنا تحمل خطاياكم».
والعرب لا تجازى بالنهى كما تجازى بالأمر. وذلك أن النهى يأتى بالجحد ، ولم تجاز العرب بشىء من الجحود. وإنما يجيبونه بالفاء. وألحقوا النهى إذا كان بلا ، بليس (٥) وما وأخواتهن من الجحود. فإذا رأيت نهيا بعد اسمه فعل فارفع ذلك الفعل. فتقول : لا تدعنّه يضربه ، ولا تتركه يضربك. جعلوه رفعا إذ لم يكن آخره يشاكل أوّله ؛ إذ كان أوّله جحد وليس فى آخره جحد. فلو قلت : لا تدعه لا يؤذك جاز الجزم والرفع ؛ إذ كان أوّله كآخره ؛ كما تقول فى الأمر : دعه ينام ، ودعه ينم ؛ إذ كان لا جحد فيهما. فإذا أمرت ثم جعلت فى الفعل (لا) رفعت ؛ لاختلافهما
__________________
(١) زيادة فى شرح شواهد المغني للبغدادى ٢ / ١١٦.
(٢) قائله الأعشى ، ونسب إلى غيره. راجع العيني ج ٤ / ٣٩٢ ه الخزانة.
(٣) آية ١٢ سورة العنكبوت.
(٤) آية ٢٦ سورة غافر.
(٥) هذا متعلق بقوله : «ألحقوا ...» ، وفى الأصلين ش ، ج : «وبليس».