أيضا ، فقلت : ايتنا لا نسيء إليك ؛ كقول الله تبارك وتعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) (١) [لمّا كان] (٢) أوّل الكلام أمرا وآخره نهيا فيه (لا) فاختلفا ، جعلت (لا) على معنى ليس فرفعت. ومن ذلك قوله تبارك وتعالى : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) (٣) وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (٤) رفع ، ومنه قوله : (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ) (٥) ترفع ، ولو نويت الجزاء لجاز فى قياس النحو. وقد قرأ يحيى بن وثّاب وحمزة : «فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا لا تخف دركا ولا تخشى» (٦) بالجزاء المحض.
فإن قلت : فكيف أثبتت الياء فى (تخشى)؟ قلت : فى ذلك ثلاثة أوجه ؛ إن شئت استأنفت (وَلا تَخْشى) بعد الجزم ، وإن شئت جعلت (تخشى) فى موضع جزم وإن كانت فيها الياء ؛ لأن من العرب من يفعل ذلك ؛ قال بعض (٧) بنى عبس :
ألم يأتيك والأنباء تنمى |
|
بما لاقت لبون بنى زياد |
فأثبتت الياء فى (يأتيك) وهى فى موضع جزم ؛ لأنه رآها ساكنة ، فتركها على سكونها ؛ كما تفعل بسائر الحروف. وأنشدنى بعض بنى حنيفة :
قال لها من تحتها وما استوى |
|
هزّى إليك الجذع يجنيك الجنى |
__________________
(١) آية ١٣٢ سورة طه.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) آية ٨٤ سورة النساء.
(٤) آية ١٠٥ سورة المائدة.
(٥) آية ٥٨ سورة طه.
(٦) آية ٧٧ سورة طه.
(٧) هو قيس بن زهير من قصيدة يقولها فيما كان قد شجر بينه وبين الربيع بن زياد العبسي من أجل درع أخذها الربيع من قيس ، فأغار قيس على إبل الربيع وباعها فى مكة. وبعد البيت :
ومحبسها على القرشىّ تشرى |
|
بأدراع وأسياف حداد |