وقوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ...) (١٧١)
أضاف المثل إلى الذين كفروا ، ثم شبّههم بالراعي. ولم يقل : كالغنم. والمعنى ـ والله أعلم ـ مثل الذين كفروا (كمثل البهائم) (١) التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت ، فلو قال لها : أرعى أو اشربى ، لم تدر ما يقول لها. فكذلك مثل الذين كفروا فيما يأتيهم من القرآن وإنذار الرسول. فأضيف التشبيه إلى الراعي ، والمعنى ـ والله أعلم ـ فى المرعىّ. وهو ظاهر فى كلام العرب أن يقولوا : فلان يخافك كخوف الأسد ، والمعنى : كخوفه الأسد ؛ لأن الأسد هو المعروف بأنه (٢) المخوف (٣). وقال الشاعر (٤) :
لقد خفت حتى ما تزيد مخافتى |
|
على وعل فى ذى المطارة عاقل (٥) |
والمعنى : حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتى. وقال الآخر (٦) :
كانت فريضة ما تقول كما |
|
كان الزناء فريضة الرّجم |
والمعنى : كما كان الرجم فريضة الزناء. فيتهاون الشاعر بوضع الكلمة على صحّتها لاتّضاح المعنى عند العرب. وأنشدنى بعضهم :
إن سراجا لكريم مفخره |
|
تحلى به العين إذا ما تجهره (٧) |
والعين لا تحلى به ، إنما يحلى هو بها.
__________________
(١) فى أ : «كالبهائم».
(٢) فى أ : «أنه».
(٣) فى أ : «مخوف».
(٤) هو النابغة الذبيانىّ. وانظر الديوان.
(٥) ذو المطارة : اسم جبل. وفى معجم البلدان فى رواية البيت : من ذى مطارة. و (عاقل) : صفة وعل. يقال : عقل الظبى والوعل إذا امتنع وصعد فى الجبل العالي. وانظر أمالى ابن الشجري ١ / ٥٢
(٦) هو النابغة الجعدىّ. وانظر اللسان (زنى) والإنصاف ١٦٥ ، والخزانة ٤ / ٣٢.
(٧) يقال : حلى الشيء بعيني إذا أعجبك ، ومن ثم كان ما فى البيت من المقلوب. ويقال : جهرت فلانا إذا راعك وأعجبك. والرجز فى اللسان (حلى) ، وهو فى مدح من يدعى سراجا.