وكذلك : (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ ...) (١٧) موضعها خفض ، ولو كانت رفعا لكان صوابا. وقوله (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) المصلّون بالأسحار ، ويقول : الصلاة بالسحر أفضل مواقيت الصلاة. أخبرنا محمد ابن الجهم قال حدّثنا الفرّاء قال حدّثنى شريك (١) عن السّدّىّ (٢) فى قوله (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) (٣) قال : أخّرهم إلى السحر.
وقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ...) (١٨)
قد فتحت القرّاء الألف من (أنه) ومن قوله (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٤). وإن شئت جعلت (أنه) على الشرط (٥) وجعلت الشهادة واقعة على قوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ، وتكون (أنّ) الأولى يصلح فيها الخفض ؛ كقولك : شهد الله بتوحيده أن الدين عنده الإسلام.
__________________
(١) هو شريك بن عبد الله النخعىّ الكوفي. توفى سنة ١٧٧.
(٢) هو أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى كريمة الكوفىّ ، مولى قريش. روى عن أنس وابن عباس. وهو منسوب إلى سدّة مسجد الكوفة ، كان يبيع بها المقانع. وسدّة المسجد بابه أو ما حوله من الرواق. وكانت وفاته سنة ١٢٧.
(٣) آية ٩٨ سورة يوسف.
(٤) على أن الواو تراد فى قوله (إِنَّ الدِّينَ) كأنه قال : شهد الله أنه لا إله إلا هو وأن الدين عند الله الإسلام. وهذا توجيه الكسائي. قال : «أنصبهما جميعا ، بمعنى شهد الله أنه كذا وأن الدين عند الله كذا». وهذا التخريج فيه ضعف ، فإن حذف العاطف فى الكلام ليس بالقويّ. وخير من هذا أن يخرج (إِنَّ الدِّينَ ...) على البدل من (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) كما هو رأى ابن كيسان. وذلك أن الإسلام تفسير التوحيد الذي هو مضمون الكلام السابق ، وانظر القرطبي ٤ / ٤٣.
(٥) يريد بالشرط العلة والسبب ، فلا يكون الفعل واقعا عليه ؛ إذ يكون التقدير : لأنه أو بأنه لا إله إلا هو.