.................................................................................................
______________________________________________________
أما المقام الأول : فمحصله : عدم صلاحية المقبولة والمرفوعة لتقييد إطلاقات التخيير ، لوجوه :
الأول : اختلافهما البين في ترتيب المرجحات ، حيث إن الترجيح بصفات الراوي في المقبولة مقدم على الترجيح بغيرها ، وفي المرفوعة بالعكس.
وعليه : فإذا كان أحد الخبرين مشهورا عند أرباب الحديث ، وكان الآخر شاذا ؛ لكن مع أصدقية راويه وأورعيته من راوي الحديث المشهور اقتضت المقبولة تقديم الخبر الشاذ على المشهور ، واقتضت المرفوعة عكس ذلك ، وهذا الاختلاف الموجب للتعارض يوهن اعتبارهما ويسقط كليهما عن الحجية.
فإن قلت : التعارض بين المقبولة والمرفوعة ـ في تقديم الترجيح بالشهرة الروائية على الترجيح بالصفات في المرفوعة وتأخيره عنه في المقبولة ـ لا يقتضي سقوط كلتيهما عن الحجية ؛ بل يتعين العمل بالمقبولة ؛ لأن المرفوعة آمرة بتقديم الخبر المشهور على غيره عند التعارض بنحو الكبرى الكلية ، ومن المعلوم : أن المشهور من هاتين الروايتين ـ وهما المقبولة والمرفوعة ـ هو المقبولة ؛ لذكرها في الجوامع الروائية ، والمرفوعة لم يروها إلّا ابن أبي جمهور في الغوالي عن العلامة مرفوعا إلى زرارة ويتعين العمل بالمقبولة حينئذ من جهة الأمر الوارد في المرفوعة بالأخذ بالمشهور من الخبرين ، وترك الخبر غير المشهور ، والمقبولة مصداق الخبر المشهور ، والمرفوعة مصداق الخبر غير المشهور.
وعليه : فلا موجب لتساقط المقبولة والمرفوعة بالتعارض كما هو ظاهر المتن ؛ بل اللازم الأخذ بالمقبولة فقط.
قلت : الحق أن تعارضهما يقتضي سقوطهما معا لا تقديم المقبولة ، وذلك لوجهين :
الأول : أن الاستناد إلى المرفوعة ـ في تقديم المقبولة عليها ـ أخذ بها ، ومن المعلوم : أن الاعتماد على المرفوعة بهذا المقدار يتوقف على حجيّة المرفوعة في نفسها ، وتمامية المقتضي للعمل بها حتى يكون تقديم المقبولة مستندا إلى حجة شرعية وهي المرفوعة.
وحيث إن المرفوعة معارضة للمقبولة ـ حسب الفرض ـ فهي وإن كانت حجة ذاتا وشأنا ؛ لكن المناط في العمل بالخبر حجيته الفعلية ، إما بعدم المعارض ، وإما بدلالة أخبار العلاج على حجية المرفوعة حتى يستند إليها في تقديم المقبولة ؛ إذ المفروض : تعارض نفس الأخبار العلاجية.
الثاني : أن الأخذ بما في المرفوعة ـ من تقديم الخبر المشهور على غيره حتى يؤخذ