أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلم الناس بالاختلاف .
ثمّ قال صاحب الكتاب : وقد روى الخليل بن أحمد(١) قال : سمعتُ سفيان الثوري قال : قدمت مكّةَ فإذاً أنا بجعفر بن محمّد قد أناخ بالأبطح ، فقلت له : يابن رسول اللّه ، لِمَ جُعل الموقف من وراء الحرم ولم يُصيَّر(٢) في المشعر الحرام ؟ فقال :«الكعبة بيت اللّه ، والحرم حجابه ، والموقف بابه ، فلمّا قصدوه أوقفهم بالباب يتضرّعون ، فلمّا أذن لهم بالدخول ، أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة ، فلمّا نظر إلى كثرة تضرّعهم وطول اجتهادهم رحمهم ، فلمّا رحمهم أمرهم بتقريب قربانهم ، فلمّا قرّبوا قربانهم ، وقضوا تَفثهم ، وتطهّروا من الذنوب أمرهم بالزيارة لبيته» ، قلت له : لِمَ كره الصوم أيّام التشريق ؟ قال : «لأنّهم فيضيافة اللّه ولا يحبّ للضيف أن يصوم» .
قلت : جُعِلتُ فداك ، فما بال الناس يتعلّقون بأستار الكعبة وهي خِرَقٌ لاتنفع شيئاً ؟ فقال : «ذلك مثل رجل بينه وبين آخر جُرْم ، فهو يتعلّق به ويطوف حوله رجاءَ أن يهب له جُرمَه» .
ثمّ نقل عنه عليهالسلام مسائل كثيرة ، ثمّ قال : وقد كَذبت عليه الرافضة ونسبت إليه أشياء لم يسمع بها ، كمثل كتاب الجفر ، وكتاب اختلاج العين
____________________
(١) هو الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم ، يكنّى أبا عبد الرحمان ، البصريّ ، ومنشئ علم العروض ، كان رجلاً صالحاً عاقلاً حليماً وقوراً ، وإماماً في علم النحو ، يقال : إنّه دعا بمكّة أن يرزقه اللّه تعالى عِلماً لم يسبق به ، فرجع وفُتح عليه بالعروض ، له كتب منها : العين ، والجمل ، والعروض .
ولد سنة مائة ، وتوفّي سنة ١٦٠ هـ ، وقيل : سنة ١٧٠ هـ .
انظر : معجم الأُدباء للحموي ١١ : ٧٢ / ١٧ ، ووفيات الأعيان ٢ :٢٤٤ / ٢٢٠ ، وسير أعلام النبلاء ٧ : ٤٢٩ / ١٦١ .
(٢) في النسخ : «يصر» وما أثبتناه من المصدر .