وذلك أنّهما لم يختصما في الحقيقة ، ولا اختلفا في الحكم ، وإنّما أظهرا ذلك لينبّها داود عليهالسلام على الخطيئة ويعرّفاه الحكم ويوقفاه عليه .
قال هشام : فقلت له : كذلك عليّ عليهالسلام والعبّاس لم يختلفا في الحكم ولا اختصما في الحقيقة ، وإنّما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبّها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطئه ، ويدلاّه على ظلمه لهما في الميراث ، ولم يكونا في ريبٍ من أمرهما ، فاستحسن الرشيد ذلك الجواب وسكت يحيى(١) .
ثمّ ممّا يدلّ على ظهور خطأ أبي بكر عند كثير من الأعيان ولو ممّن قال بخلافته : أنّ جماعة من الخلفاء الذين أرادوا إظهار العدل وجلسوا لردّ المظالم وإيصال الحقوق إلى أهاليها ، ردّوا فدك إلى أولاد فاطمة عليهاالسلام .
فقد ذكر جمع ، منهم : أبو هلال العسكريّ في كتاب الأوائل : أنّ أوّل من ردّ فدك على ورثة فاطمة عليهاالسلام عمر بن عبد العزيز ، ثمّ قبضها منهم يزيد ابن عاتكة(٢) ، فلمّا ولي أبو العبّاس السفّاح ـ أوّل الخلفاء العبّاسيّين ـ ردّها عليهم ، ثمّ قُبضت منهم ، فردّها المهديّ العبّاسيّ عليهم ، ثمّ قُبضت فردّها عليهم المأمون(٣) ، وقد مرّ تفصيل حكايته(٤) .
وروى الجوهريّ أيضاً عن مهديّ بن سابق قال : جلس المأمون
____________________
(١) الفصول المختارة : ٤٩ (ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ج ٢) ، بحار الأنوار ٢٩ : ٦٩ .
(٢) منسوب إلى اُمّه ، وفي الأوائل : يزيد بن عبد الملك ، وهما واحد ، كان من حكّام بني اُميّة ، فكانت حكومته أربع سنين وشهراً .
مات سنه ١٠٥ هـ .
انظر : الانباء بأنباء الأنبياء للقضاعي : ٢٣٣ ، مروج الذهب ٣ : ١٩٥ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٥٠ / ٥٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣١٠ .
(٣) الأوائل لأبي هلال العسكري : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ : ٢١٦ ـ ٢١٧ .
(٤) انظر : ص ٣٨٨ .