ثمّ إنّه يرد على ما في الرواية الثانية ما هو أشدّ من الأوّل ، كما ذكره ابن أبي الحديد أيضاً حيث قال فيها : إذا شهد لها عليّ عليهالسلام وأُمّ أيمن أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله وهب لفاطمة عليهاالسلام فدك ، لم يصحّ اجتماع صدقهما وصدق عبد الرحمان وعمر ، وما تكلّفه أبو بكر من تأويل ذلك ليس بمستقيم ؛ لأنّ كونها هبةً من رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لها يمنع من قوله : كان يأخذ منها قوتكم ويقسّم الباقي ، ويحمل منه في سبيل اللّه ؛ لأنّ هذا ينافي كونها هبةً لها ؛ لأنّ معنى كونها لها انتقالها إلى ملكيّتها ، وأن تتصرّف فيها خاصّة دون كلّ أحد من الناس ، وما هذه صفته لا يقسّم ولا يحمل منه في سبيل اللّه .
قال : فإن قيل : هو صلىاللهعليهوآله أبوها ، وحكمه في مالها كحكمه في ماله وفي بيت مال المسلمين ، فلعلّه كان بحكم الأُبوّة يفعل ذلك كما يتضمّنه الخبر أيضاً .
قيل له : فإذاً كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يتصرّف فيها تصرّف الأب في مال ولده ، ولا يخرجه ذلك عن كونه مال ولده ، فإذا مات الأب لم يجز لأحد أن يتصرّف في مال ذلك الولد ؛ لأنّه ليس بأب له حتّى يتصرّف في ماله تصرّف الآباء في أموال أولادهم ، قال : على أنّ الفقهاء أو مُعظمَهم لا يجوّزون للأب أن يتصرّف في مال الابن(١) .
أقول : ولا يذهب عليك أنّ مثل هذا الأخير وارد في سائر الأخبار المذكورة فيما نحن فيه ؛ إذ لا شبهة في أنّ كون متروكات النبيّ صلىاللهعليهوآله صدقةً لا يستلزم أن يكون المتصدّي لها أبا بكر دون غيره ، بل كان الأُولى ، بل الصواب حينئذٍ أن يكون ذلك بيد الورثة ولا أقلّ بيد وصيّه ، فلو لم يكن هاهنا خيال آخر لِمَ لمْ يترك أبو بكر ذلك بيد عليّ عليهالسلام حتّى تَرتفع الشبهة
____________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦ .