لَمْ يأخذ أمير المؤمنين عليهالسلام فدك لمّا ولي الناس ، ولأيّ علّة تركها؟ فقال : «لأنّ الظالم والمظلومة قدما على اللّه تعالى وجازى كلاًّ على قدر استحقاقه ، فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب اللّه عليه الغاصب وأثاب المغصوبة»(١) .
والأخبار في هذا الباب عديدة ، على أنّ الحقّ الواضح لدى كلّ من تدبّر أنّ ما وصل إليه من أمر الخلافة ليس إلاّ الإسم دون المعنى ، وقد كان عليهالسلام معارضاً مغصّصاً طول أيّام ولايته ، فكيف كان يأمن في ولايته الخلاف على المتقدّمين عليه ، لاسيّما في نقض أحكامهم وتغيير سننهم خصوصاً في مثل هذا ، وكلّ من بايعه وجمهورهم شيعة أعدائه ، ومن يرى أنّهم مضوا على أعدل الأُمور .
وقد روى جماعة كما مرّ ويأتي : أنّه عليهالسلام نهاهم عن صلاة التراويح التي أبدعها عمر ، فامتنعوا ورفعوا أصواتهم ينادون واعمراه واعمراه ، حتّى تركهم وسكت عن ذلك(٢) ، بل الحقّ أن لا عجب في ترك عليّ عليهالسلام أمثال هذه الأشياء ، وعدم إظهاره بعض مذاهبه التي كان الجمهور يخالفه فيها ، بل إنّما العجب من إظهاره شيئاً من ذلك .
وستأتي شكاياته عليهالسلام في أمكنة عديدة وأُمور شتّى بما هو صريح في أنّه لم يكن متمكنّاً على مرّ الحقّ ، وكان مداره على التقيّة والمداراة ، حتّى أنّه لمّا استأذنه قُضاته وقالوا له : بما نقضي يا أمير المؤمنين؟ قال لهم : «اقضوا بما كنتم تقضون حتّى يكون للناس جماعة ، أو أموت كما مات
____________________
(١) كشف الغمّة ١ : ٤٩٤ .
(٢) انظر : الشافي للسيّد المرتضى ٤ : ٢١٩ ، وتلخيص الشافي ٤ : ٥٢ ، وبحار الأنوار ٣١ : ٧ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٢ : ٢٨٣ .