الأذيّة لم تكن شيئاً واحداً ، بل كانت متعدّدة تواردت منهم عليها من حين وفاة أبيها صلىاللهعليهوآله إلى أن توفّيت هي من الهجوم على بابها ، بل على داخل بيتها بغير إذنها وسائر ما ذكرناه ، حتّى لو فرضنا أنّه لم يصدر منهم غير محض إظهار الإهانة يوم مطالبة عليّ عليهالسلام بالبيعة ـ كما في بعض أخبارهم التي تصدّوا فيها لستر قبائح ما صدر عنهم ـ لكفى في أذاها ، فضلاً عن سائر ما صدر عنهم ، وكفى شاهداً ما مرّ من قول أبي بكر : وددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة عليهاالسلام ولو اُغلق على الحرب(١) .
ولا يخفى أنّه لو صدر شيء واحد ممّا هو أدنى ممّا ذُكر لكان عظيماً خطيراً ، كيف ! وقد صدر جميع ما ذُكر على وفق أخبارهم واعتراف كثير منهم .
وأمّا رابعاً : فلأنّ الذي هو صريح منقولاتهم : أنّ الجماعة لم يتداركوا أيضاً ما صدر عنهم بشيء يدفع تألّمها ويُرضي خواطرها ، ولا أقلّ من كسر سَوْرة غضبها وثوران غيضها ما سوى ما مرّ من الاعتذار اللسانيّ الذي نقله بعضهم عن الرجلين عند إياسهما من حياتها.
ومعلوم أنّه من قبيل فعل الأعراب حيث إنّه قد ينهب بعض منهم زوجة رجل آخر وبنت عمّه ، فيأخذها عنده فيزني بها بدعوى كونها بنت عمّه أيضاً أو من طائفته ، ثمّ يأتي إليه بعد المحاربات والمنازعات الكثيرة ماشياً عليه ليعتذر عن فعله عنده ، فلا يزيد على أن يطلب منه أن يعرض عن المرأة ويتركها له ينكحها دائماً قدّام عينه ، ويكون مع هذا راضياً عنه ، بل يثني عليه ، بل يعاونه في المخامص أيضاً .
____________________
(١) تقدم تخريجه ، ص ٣٥١ ، الهامش (٥) .