ولا يخفى أنّ هذا الاعتذار أشدّ من الذنب ؛ لأنّهما لو أرادا استرضاءها من صميم قلبيهما لكان طريق ذلك أن يقولا لها ـ حين دعواها أو حين الاسترضاء ـ : إنّا نمكّنك من هذا المال بأن تفعلي به ما كان أبوكِ يفعل ، بأن تأخذي منه قدر بلغتكِ وتصرفي البقيّة على فقراء المسلمين ، لاسيّما بعد ما صرّحت هي أيضاً : بأنّي إذا أخذته أفعل به ما كان أبي يفعل ، كما هو صريح بعض ما مضى من الأخبار(١) .
فأيّ مانع كان في ذلك لو أرادا إحقاق الحقّ مع رضاها ، لاسيّما مع ظهور صدقها وصلاحها وأمانتها ، بل أمكن أيضاً أن يجعل أبو بكر لها أو لزوجها النظارة على ذلك ، أو يسلّم ذلك بيد عليّ عليهالسلام ، كما فعل عمر كذلك في بعض صدقات النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد ما اطمأنّ خاطره من التمكّن على الخلافة ، فتركها بيد عليّ عليهالسلام والعبّاس(٢) .
هذا كلّه مع أنّ رواية أبي بكر(٣) لا تدلّ على لزوم تولية أبي بكر ، بل ولا على أصل توليته ، بل إنّما تدلّ على كون تركته صدقة ، وحينئذٍ ربّما يقال بأنّ الأولى والأنسب كان أن يترك أبو بكر تولية ذلك ابتداءً لعليّ عليهالسلام لكونه وصيّاً لرسول اللّه صلىاللهعليهوآله إن لم يكن مراده إزالة يد آل الرسول عليهمالسلام عن أمثال هذه الأُمور ، حتّى أنّه كان أمكن أيضاً أن يمكّنوها أوّلاً حتّى يروا فعلها ، فإن فعلت مثل ما فعل النبيّ صلىاللهعليهوآله فهو المقصود ، وإلاّ فليفعلوا حينئذٍ ما فعلوا قبل ذلك بلا إتمام حجّة .
____________________
(١) انظر : شرح نهج البلاغة لابن الحديد ١٦ : ٢١٦ .
(٢) انظر : صحيح البخاري ٨ : ١٨٥ ـ ١٨٦ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، الجمع بين الصحيحين ١ : ٨٥ ـ ٨٦ .
(٣) إشارة للرواية المجعولة : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث . . .» .