هذا كلّه ، مع قطع النظر عمّا يرد على أخذ المال منها ممّا سيأتي ، ومع قطع النظر عن هذا أيضاً كان أمكن الاسترضاء بسلوك شرع الإحسان والتكرّم ، بأن يعاملاها معاملة النبيّ صلىاللهعليهوآله مع زينب بنته ، حيث التمس صلىاللهعليهوآله من المسلمين مع كمال عسرتهم يوم بدر أن يردّوا إليها المال العظيم(١) الذي بعثته لفداء زوجها أبي العاص حين اُسر يوم بدر ، فكان أبو بكر أيضاً يقول للمسلمين : إنّ هذه بنت نبيّكم تطلب هذه النخلات فطيّبوا عنها نفساً ، واتركوها لها كرامةً لها ولأبيها وبعلها وبنيها ، ولا أقلّ من أن يجعلها بالمناصفة ولا يحرّمها رأساً ، أو يعوّضها بشيء يرضيها به ، حتّى أنّ ذلك المال لم يكن صدقة واجبة محرّمة على أهل البيت عليهمالسلام ، بل إنّما كان مباحاً لهم قطعاً ، من حيث إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يعطيهم منه ، ولم يصرّح بكونه بعده صدقة واجبة ، ومع هذا فصدقة بني هاشم مباحة لبني هاشم وإن كانت واجبةً ، فلم يحتج حينئذٍ أبو بكر إلى استرضاء الناس أيضاً ؛ إذ يجوز حتّى عند القوم أيضاً أن يخصّ الإمام بعض المسلمين بما يرى المصلحة فيه من الأموال والصدقات(٢) .
ولقد فعل النبيّ صلىاللهعليهوآله ذلك في غنيمة حنين وغيرها(٣) ، حتّى أنّهم نقلوا : أنّ عثمان أعطى الحكم بن أبي العاص طريد رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ثلث مال أفريقيّة . وقيل : ثلاثين ألفاً(٤) ، وأعطى مروان بن الحكم مائة ألف دينار(٥) .
____________________
(١) في النسخ : النظيم ، والصواب ما أثبتناه ، انظر : الصوارم المحرقة : ١٥١ .
(٢) انظر : الصوارم المهرقة : ١٥١ ـ ١٥٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٤ : ١٩١ .
(٣) انظر : تاريخ الطبري ٣ : ٧٠ ، كشف الغمّة ١ : ٢٢٣ .
(٤) الصوارم المهرقة : ١٥٢ .
(٥) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٣٣ .