قد عرفت التطوّر في فكرة الإرجاء وأنّه استقرّ رأي المرجئة أخيراً على أنّ الايمان عبارة عن الإقرار باللّسان أو الإذعان بالقلب ، وهذا يكفي في اتّصاف الانسان بالإيمان. ولو صحّ ما نسب إليهم في شرح المواقف « من عدم العقاب على المعاصي » (١) فالمصيبة أعظم.
وهذه الفكرة فكرة خاطئة تسير بالمجتمع ـ وخصوصاً الشباب ـ إلى الخلاعة والإنحلال الأخلاقي وترك القيم ، بحجّة أنّه يكفي في اتّصاف الانسان بالايمان ، وانسلاكه في سلك المؤمنين ، الإقرار باللّسان أو الإذعان بالقلب ، ولا نحتاج وراء ذلك إلى شيء من الصوم والصلاة ، ولا يضرّه شرب الخمر وفعل الميسر ، ويجتمع مع حفظ العفاف وتركه.
ولو قدر لهذه الفكرة أن تسود في المجتمع ، لم يبق من الإسلام إلاّ رسمه ، ومن الدين إلاّ اسمه. ويكون المتديّن بهذه الفكرة كافراً واقعياً ، اتّخذ هذه الفكرة واجهة لما يكنّ في ضميره.
ولقد شعر أئمّة أهل البيت عليهمالسلام بخطورة الموقف ، وعلموا بأن إشاعة هذه الفكرة عند المسلمين عامّة ، والشيعة خاصّة ، سترجعهم إلى الجاهليّة ، فقاموا بتحذير الشيعة وأولادهم من خطر المرجئة فقالوا :
« بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة » (٢).
__________________
١ ـ شرح المقاصد للتفتازاني ج ٢، ص ٢٢٩ و٢٣٨.
٢ ـ الكافي ج ٦ ص ٤٧، الحديث ٥. قال المجلسي في المرآة عند شرح هذا الحديث : « أي علموهم في شرخ شبابهم بل في أوائل إدراكهم وبلوغهم التميز من الحديث ما يهتدون به الى معرفة الأئمة عليهمالسلام والتشيع قبل أن يغويهم المخالفون ويدخلوهم في ضلالتهم ، فيعسر بعد ذلك صرفهم عن ذلك. والمرجئة في مقابلة الشيعة من الإرجاء بمعنى التأخير ، لتأخيرهم عليّاً عليهالسلام عن مرتبته ، وقد يطلق في مقابلة الوعيديّة إلاّ أن الأول هو المراد هنا ».
ويحتمل أن يكون المراد هو الثاني بقرينة « أولادكم » فإنّ فكرة الإرجاء بالمعنى الأول تضرّ الكل ، وبالمعنى الثاني تضر الشباب الّذين تهددهم الغرائز الجامحة كما أوعزنا إليه في المتن.